نجاة علي صوشة
يعد شهر رمضان الكريم من أعظم الشهور عند الجزائريين لما يكتسيه من قداسة دينية ونفحات إيمانية لا تجدها في باقي أشهر السنة، إذ يستعد الجزائريون لاستقباله كباقي الأقطار الاسلامية والعربية بعادات وتقاليد توارثوها جيلا عبر جيل، تعكس تنوع تراثهم وحضارتهم، حيث يتم الاستعداد لاستقبال هذا الشهر الكريم في شهر شعبان، الذي تقوم فيه ربات البيوت عملا بالقول «لا صیام على وسخ» بتنظيف البيوت وطلاء البيت. ومن لم تتمكن من إعادة طلاء البيت تغسل جدران البیت كله قبل حلول رمضان. وبعد الانتهاء من عملية التنظيف، تخرج النسوة إلى الأسواق لاقتناء أواني جديدة، ويحرصن على اختيار أجمل الأواني الفخاریة والزجاجیة. ففي ثقافة العائلة الجزائرية لا یجوز طهي «شُربة» رمضان في قِدر السنة الماضیة. كما لا یجوز تقديم القهوة والشاي للأصدقاء والأحباء خلال رمضان في طقم ینقص منه فنجان أو صحن. وهي عادة تتباهى ربة البیت بأوانیها الجدیدة أمام جاراتها وصدیقاتها وضیوفها، وأيضا مما يشاع قوله هو بتجديد الأواني تتجدد معه البركات والخيرات. وبعد الانتهاء من شراء مستلزمات البيت من أواني وغيرها يقمن بإعداد التوابل التي تحضر بالمنازل كاحمار والفواح وراس الحانوت والكسبر والقرفة وغيرها من التوابل الأخرى، ثم يقمن بتجفيف الفواكه كالمشمش و العنب والأناناس لأعداد به طبق “الحلو ” إلى جانب ذلك تستعد فعاليات المجتمع الجزائري عبر جمعياتها الخيرية بتنظيم حملات لجمع المال والمؤونة لتوزيعها على الفقراء، وتجهز مطاعم الرحمة التي تفتح أبوابها لعابري السبيل و الفقراء ضمن مبادرة إنسانية تخلق جوا اجتماعيا تضامنيا مميزا طيلة الشهر الفضيل ،كما تنظم حملات لتنظيف بيوت الرحمان من مساجد وأحياء إستعدادا لأداء صلوات التراويح ودروس وحلقات الذكر طيلة الشهر، ويجتهد كل جزائري في عمله في اغتنام ليالي رمضان من تلاوة القران، صلاة الجماعة، الصدقات، الزيارات العائلية بهدف تقوية صلة الرحم وغرسها لدى الناشئة.
وتشهد الشوارع الجزائرية حالة من الصمت قبل أذان المغرب للصلاة مع عبارات التهنئة على إتمام الصيام ليوم رمضان ويرددها الصغير والكبير وعندما يهل الشهر الكريم يجتمع جميع أفراد العائلة الجزائرية وقت الإفطار على مائدة واحدة حيث أن أول ما يبتدأ به الجزائريون الإفطار هو سبع حبات من التمر وشرب الحليب اقتداء بالسنة النبوية الكريمة. وتتميز المائدة بأصناف مختلفة تتفنن المرأة الجزائرية في طهيها مع التنويع والتنسيق فنجد فيها الشوربة –البورق –المعكرونة ويختلف الطبق الرئيس بين البطاطة المقلية، إضافة إلى الطواجن، مع اللحوم المصاحبة لبعض البقوليات والخضروات وأشهرها طاجين الزيتون والبزلوف طاجن الزبيب والبرقوق مع السلطات والمقبلات والفاكهة والمشروبات المختلفة، كالشاربات التي يتم إعدادها من عصير الليمون وغيرها. وبعد الإفطار يتوجه الجزائريون بمختلف أطيافهم نساء ورجال وأطفال إلى المساجد لأداء صلاة التراويح ومتابعة الدروس الفقهية وذلك حرصا من العائلات الجزائرية على الخروج مجتمعه لأداء الصلاة لتعزيز الروابط الأسرية الروحية والإيمانية. وبعد أداء صلاة التراويح يذهب البعض إلى المقاهي لقضاء بعض من الوقت مع الأصدقاء ويتوجه البعض الأخر لزيارة الأقارب والأهل للسهر وتجاذب أطراف الحديث حول صينية الشاي والقهوة والحلويات التي تشتهر النسوة الجزائريات في إعدادها، والتي من بينها الزلابية قلوب اللوز أصابع القطايف المحنشة. وفي أثناء السمر حول مائدة الحلوى والشاي يقومون بلعبة البوقالة التي تعد من الموروث الشعبي الشفوي التي تميزت بها القعدات الجزائرية من زمان وانفردت بها سهرات الجزائريات في شهر رمضان كعادات وتقاليد تضيف جوا حميميا على أمسياتهم وتحلي كلامهم. أما عن السحور فإنهم يتسحرون على الكسكس وهو طبق شعبي يتم تحضيره في السحور وهو على شكل حبوب صغيرة مصنوعة من القمح ويتم تناوله مع البن بعد طهيه بالبخار. أما تقاليد ليلة نصف رمضان فلها أكلة خاصة عند الجزائريين وهي الرقاق مع مرقة الدجاج حيث تقام احتفالات خاصة بهذه الليلة يتم فيها ختم القران وتكريم حفظة كتاب الله تعالى ويتم توزيع الصدقات على المحتاجين والمساكين والفقراء استعدادا لاستقبال العيد. تبخر النساء بيوتهن بالبخور مع تبخير أيديهن وتحرص العائلات الجزائرية على ختان أبنائها ليلة 27 رمضان تخليدا لهذه الليلة المباركة، حيث يرتدي الطفل الملابس الجزائرية التقليدية ويخضب كفه بالحناء. يتم أيضا الاحتفال بالأطفال بأول يوم صيام من خلال تشجيعهم على الصيام والصبر على البعد عن الأكل والشرب. وبهذا تختم الأسر الجزائرية الشهر الفضيل وتبدأ استعدادها لاستقبال أيام العيد في تخصيص العشر الأواخر في إعداد حلويات العيد المتنوعة من صامصة وتشاراك والمشوك والصابلي والبقلاوة والصابلي بريستيج وغيره من الحلويات الأخرى التي لا يتسع المجال لذكرها.