إيان رافنسكروفت
ترجمة: أحمد شافعي
- ماذا تلبس؟
نادرا ما تثير الملابس الفلاسفة. قد تكون الملابس مصدرا للمتعة الجمالية، ولا أحسبك ستجد كثيرا من الفلاسفة يعارضون المتعة معارضة صلبة. (لعلهم يعترضون على ما يشترى من المتع بالغالي والثمين، ولعلهم يعترضون على إعلاء المتعة على قيم أخرى كالعدالة مثلا، ولكنهم نادرا ما يخطّئون المتعة إن هي اشتريت بالمعقول وقُيمت به). ومع ذلك ثمة خيارات ثيابية تتعارض مع الروح الفلسفية.
الفلسفة في جوهرها عمل مناهض لكل ما هو سلطوي، أو هي على أقل تقدير لا تعترف إلا بسلطة العقل، والحجة، والبرهان. أما السلطة المريبة التي تتمتع بها الحشود والدين والدولة التي تشترك جميعا في الميل إلى المطالبة بالطاعة العمياء فتتعارض مع المسعى الفلسفي نفسه. وتدهشنا كثرة الفلاسفة الكثيرة ابتداء من سقراط وحتى أبيلار وراسل ممن ساءتهم السلطات الدنيوية ـ وأساءوها.
وإن من الأشياء المثيرة في السلطات والنظم السلطوية غرامها بالزي الموحد وبالتلاعب بالأزياء. ابتداء من قميص الفاشيين البُني ووصولا إلى مسوح الأساقفة الحمراء، نرى في السلطات انجذاب فيتشيا إلى الخياط وتاجر القبعات. غير أن من الأزياء الموحدة ـ كزي لاعب كرة القدم على سبيل المثال ـ ما يؤدي وظيفة عملية فيجعل من اليسير القيام بأدوار معينة. ولئن نحن نحينا هذه الحالات جانبا لأمكننا القول إنك إن وجدت في نفسك نزوعا إلى ارتداء زي موحد، أو حتى فرضه على الآخرين وهذا أسوأ طبعا، فربما يجدر بك أن تعيد النظر في مؤهلاتك وأوراق اعتمادك الفلسفية.
2.ماذا تأكل؟
يأكل الفلاسفة كل أنواع الأشياء، شأنهم شأن غيرهم من الناس. ولكن بهم ميلا شديدا إلى النباتية، أو هذا هو الحال على أقل تقدير في الفلسفة المعاصرة في العالم الناطق بالإنجليزية. وهذا يرجع إلى حد كبير إلى تأثير بيتر سينجر الذي أقنع الكثير من الفلاسفة بأن في استهلاك اللحوم خطأ أخلاقيا إلى حد كبير، وهو وإن يكن غير منكر لما في تناول اللحوم من مصدر لكل من البروتين والمتعة، يبقى مصرا على أن ما يتأتى لنا من أكل اللحم أقل بكثير من تكلفته على الحيوانات التي تدفع من آلامها ثمنا لما نجنيه نحن من نفع، وهذا غير مقبول. - ماذا تشرب؟
اشرب ما يحلو لك. لكن إن شئت الصراحة، ثمة إيثار طاغ بين الفلاسفة للنبيذ الأحمر والقهوة. وثمة عبارة لاتينية شهيرة نصها ‘in vino veritas’ منسوبة إلى الكاتب الروماني بلايني الكبير ومعناها “في النبيذ تكمن الحقيقة”. وكان يعني منها أن الشخص المغرق في كئوسه أقرب إلى الإفصاح عن طبيعته الحقة. وحدث أن عمد الفيلسوف الأسترالي جون بيجلاو إلى هذه العبارة فصاغ منها قوله ‘in caffeina veritas’ أي “في الكافيين تكمن الحقيقة”. ومن المؤكد أنني شخصيا أجد في القهوة الجيدة حافزا لعصارتي المعرفية على التفجر. - ماذا تقرأ؟
لكي تكون فيلسوفا جيدا فأنت بحاجة إلى الإكثار من قراءة الفلسفة الجيدة. وبحسب تقديرات أنيدرز إريكسن ـ وهو خبير فيما يجعل المرء خبيرا ـ فإن المرء بحاجة إلى عشرة آلاف ساعة من الممارسة ليصبح خبيرا حقيقيا في أغلب المجالات. والممارسة في الفلسفة تتضمن (وإن لم تقتصر على) التفاعل مع العقول الفلسفية العظمى. وأفضل وسيلة للقيام بهذا ـ بل والوسيلة الوحيدة لدى بعض الفلاسفة ـ هي قراءة ما أنتجته هذه العقول من كتب.
في بعض الأحيان يكون ما تحتاج إلى معرفته دفين كتاب بالغ الإملال، فيكون عليك أن تصر بأسنانك وتتوغل فيه بمحراثك. وفي كثير من الأحيان، يكون أنفع لك أن تكون على قدر قليل من الانتقائية فتقرأ الأشياء التي تجذب انتباهك، فإن بدا لك كتاب في الفلسفة مملا أو تافها أو غير جيد، فما عليك إلا أن تنحيه جانبا وتجد شيئا أفضل منه تقرؤه.
لقد استشرت ـ على مدار العشرين عاما الماضية ـ القواميس الفلسفية والكتيبات، وأدلة الطالب والقارئ بأعداد غفيرة، وأمثال هذه الكتب قد توفر قراءة مفيدة بصورة كبيرة ومسلية أيضا. والثلاثة التي أفضلها هي “دليل بلاكويل إلى فلسفة العقل” بتحرير صمويل جوتنبلان، وقاموس أوكسفورد للفلسفة لـ سيمون لاكبيرن، وموسوعة ستانفورد للفلسفة على الإنترنت وهي من تحرير إدوارد زالتا. هيا، أغرقوا أنفسكم.