سميح القاسم
بَايَعْتُ عَيْدَكِ وَاِسْتَثْنَيْتُ أَعْيَادِي
مُسْتَشْرَفَاً غَدَ أَبِنَائِيِ وَأَحْفادِي
وَكَانَ نَذْرُي دَمُي، قُرْبانَةً سَنَحَتْ
عَلَى مَذَابِحِ آبَائِي وَأَجْدَادِيْ
وَقُلْتُ لاسمكِ: >كُنْ رُؤَيا< فَصَارَ رُؤَى
لِطَارِفِ الْمَجْدِ مَوْصُولاً بِأَتْلادِ
وَأَنْتِ مَا أَنْتِ؟ عَبَّاسِيَّةٌ مَلَكَتْ
شَمْسَ الشَّمُوسِ بِتَاجِ اللهِ وَالضَّادِ
وَوَزِّعَتْ نُورَهَا فِي كُلِّ غَاشِيَةٍ
مِنْ الظَّلامِ بِمِشْكَاةِ الدَمِ الْهَادِي
وَشُعَّ قِرْطَاسُهَا رُوْحَاً وَمَعْرِفَةً
عَلَى الْعَوَالِمِ، مِنْ خَافٍ إِلَى بَادِ
هُنَا الْمَنَابِرُ، مِنْ عُرْبٍ وَمِنْ عَجَمِ
هُنَا الْمَنَائِرُ، هَدْيُ الرَّائِحِ الْغَادِيْ
أَصَابِعُ النَّاسِ أَقْلاَمٌ، وَأَحْرُفُهُمْ
بَوْحُ اللُّغَاتِ بِحُلْمِ الصَّابِئِ الصَّادِي
مِنْ الْمَشَارِقِ أَسْفَارٌ مُذَهَبَّةٌ
إلى الْمَغَارِبِ، مِرْصَادَاً لِمِرْصَادِ
وَدِجْلَةٌ عَسَلٌ تُغْرِي لَذَائِذُهُ
سَمْنَ الْفُرَاتِ بِنَحْلٍ بَيْنَ أَوْرَادَ
وَلِلْنَّخِيْلِ عُيُونُ التَّمْرِ شَاخِصَةٌ
لِسُومَرٍ، بَابِلٍ، آشُوْرَ، أَكَّادِ
لِيَعْرُبٍ جَامِحٍ شَدَّتْ نَوَازِعُهُ
بَوَّابَةَ الشَّرْقِ، أَمْدَاءً لآمَادِ
فَلِلْخُيُولِ صَهِيْلٌ عَبْرَ >آرومِيَّةٍ<
وَلِلْسِّيُوفِ صَلِيْلٌ خَلْفَ >أَرْوَادِ<
وَالأَطْلَسِيُّ، يُعِيْدَ الْوَصْفَ >لِلْهَادِي<
مَصَاحِفٌ وَرِمَاحٌ لِلْمَدَى نُشِرَتْ
إيْمَانُهَا النُّوْرُ فِي أَسْدَافِ إلْحَادِ
وَشَرَّعَتْ عَلَمَاً وَاِسْتَنْهَضَتْ أُمَمَاً
وَأًشْهَرَتْ قَلَمَاً فِي وَجْهِ جَلادِ
وَلِلْقَصَائِدِ كُوْفِيٌّ يَتِيْهُ بِهَا
وَكَمْ تَتِيْهُ إِذَا قَالُوا: مَنْ الشَّادِي؟( )
وَشَهْرَزَادُ، صَلاَةُ اللَّيْلِ حِكْمْتُهَا
لِخَدِّهَا طَالَمَا حَنَّتْ مَخَدَّتُهَا
وَشَهْرَيَارُ لإبْرَاقٍ وَإِرْعَادِ
وَأَنْتِ كَاهِنَةُ الإلْهَامِ، شَاهِدَةٌ
عَلَى بَدَائِعِ أَمْثَالٍ وَأَضْدَادِ
كُنُوْزُ كَفَّيْكِ أَمْجَادٌ مُخَلَّدَةٌ
زَكَاتُهَا رَدْفُ أَمْجَادٍ بِأَمْجَادِ
أَعَلَى الرَّشِيْدُ صُرُوْحُ الْعِلْمِ وَأَنْكَفَأَتْ
عَلَى الْمُبَعْثَرِ مِنْ عِلْمٍ وَإِرْشَادِ
وَمِلءَ نَهْرَيْكِ حِبْرُ الرَّوْحِ سَالَ دَمَاً
وَسَالَ حِبْرَاً دَمَي فِي بَحْرِ أَحْقَادِ
وَكُنْتِ مَا كُنْتِ مِنْ حُرٍّ لِطَاغِيَةٍ
عَبْرَ الْعُصُوْرِ، وَعُبْدَانَاً لأَسْيَادِ
تَدَاوَلَتْكِ صُرُوْفُ الدَّهْرِ عَاصِفَةً
وَرَنَّحتْكِ كَفُوفُ الشَّرِّ خَاطِفَةً
وَطَوَّحَتْكِ مِنْ الْجَزَّارِ لِلْفَادِي
وَمِنْ أَسَاوَرُ عزٍّ غَرَّدَتْ ذَهَبَاً
إِلَى شُفُوْفِ حَرِيْرٍ زَغْرَدَتْ طَرَبَاً
الى مَذَلَّةِ أَغْلاَلٍ وَأَصْفَادِ
وَلِلْمَغُولِ زُحُوفٌ لا لِجَامَ لَهَا
وَلِلْتَتَارِ سُيوْفٌ دُوْنَ أَغْمَادِ
وَلِلْعُلُوجِ مِنْ الأَجْلافِ زَعْنَفَةٌ
تُبَدِّلُ الْحَالَ إفْسَادَاً بِإفْسَادِ
وَأَنْتِ عَارِيَةٌ فِي السِّجْنِ دَامِيَةٌ
وَأَنْتِ كَابِيَةٌ فِي الْقَيْدِ بَاكَيِةٌ
وَالْقَهْقَهَاتُ لأَوْباشِ وَأَوْغَادِ
مَا أَنْجَدَتْ يَمَنَاً قَيْسٌ، وَلا ذَرَفَتْ
ثَمُودُ دَمْعَةَ مَحْزُوْنٍ عَلَى عَادِ
وَالأهْلُ أهْلُكِ لَمْ تَنْبِسْ لَهُمْ شَفَةٌ
بِغَيْرِ صَمْتٍ لَدَى أَجْرَاسِ حُسَّادِ
لِمَ اِزْدَهَرْتِ وَبِيْدُ الشَّرْقِ قَاحِلَةٌ
وَكَيْفَ صَارَ حَرِيرَاً ثَوْبُ لَبَّادِ؟
وَمَا نُهُوْضُكِ وَالأَجْفَانُ مُغْمِضَةٌ
عَلَى الرِّمَالِ؟ وَمَاذَا؟ صَوْتُكِ الْحادِي؟
وَمَا طُمُوْحُكِ وَالآمالُ خَائِبَةٌ
وَمَا صُعْودُكِ وَالأَعْرَابُ فِي الْوَادِي؟
يَا حُرَّةً لَوَّثَ الطَّاغُوْتُ زَهْوَتَهَا
وَمُهْرَةً دَنَّسَ الْكَابُوي صَهُوْتَهَا
مَا الْعَيْشُ، فِي مَوْتِ فُرْسَانٍ وَرُوَّادِ؟
لَكِ الأجَانِبُ أسيادَاً، مَتَى رَغِبُوا
وَكَمْ يُجَانَبُ مِنْ أهْلٍ وَأَوْلاَدِ
تَفَرَّقُوا شِيَعَاً، وَانْفَرْقَعُوا زُمَرَاً
وَأَسْرَفُوا عَبَثَاً، فِي شُحِّ إرْفَادِ
وَلا تُجَمِّعُهُمْ فِي الْوَيْلِ جَامِعَةٌ
نَادِي عَلَيهِمْ إِذَنْ، يا أُخْتَهُمْ نَادِي!
وَصَاحِبُ الْجَاهِ فِي مُسْتَنْقَعٍ نَتِنٍ
يَتِيهُ بِالْجَاهِ، فِيمَا يَسْخَرُ النَّادِي
عَلَيْهِ مِنْ حُلَلِ الأَشْبَاهِ ضَافِيَةٌ
وَدَأْبُهُ الرَّقْصُ مَشْدُودَاً بِأوْتَادِ
وَحِيْنَ يَخْطُبُ فَالأَقْوَالُ فِي وَادٍ
وَحِيْنَ يَفْعَلُ، فَالأَفْعَالَ فِي وَادِ
حِصَانُ طِرْوَادَةٍ صَالُوْنُ مَنْزِلِهِ
وَكَعْبُ آخِيْلَ فِي جَيْشٍ وَقُوَّادِ
وَصَاحِبُ الْجَاهِ رَخْوٌ حِينَ تَصْفَعُهُ
كَفُّ الْغَرِيْبِ، وَفِيْنَا كَابْنِ شَدَّادِ
وَأَيُّ جَاهٍ نَجَا مِنْ جَاهِ عَصْفَتِهِ
وَحَوْلَهُ حَشْدُ أَزْلامٍ وَأَكْدَادِ
جَزَّ الرِّقَابَ، فَلَمْ يُشْبِعْ هِوَايَتَهُ
جَزَّ النَّوَاصِي وَتَعْلِيقٌ بِأَعْوَادِ
إسْتَصْغَرَ الْخَلْقَ مُعْتَدَّاً بِسَطْوَتِهِ
لَمْ يُخْلَقِ اللهُ أَمْثَالِي وَأَنْدَادِي!
بَغْدادُ بَغْدادُ حُبِّي قَاتِلِي فَمَتَى
يُتِيْحُ حُبُّكِ تَكْفِيْنيْ وَإلْحَادِي؟
فِي الْكاظِمِيَّةِ لِي شَمْسٌ أُغَازِلُهَا
وَفِي الرُّصَافةِ شُبَّاكٌ لإِنْشادِي
وَشَاغِلِي رَصْدُ أَنْقَاضِي مُبَعْثَرَةً
فِي رَاحِلِيْنَ عَنْ الدُّنْيَا وَأُفَّادِ
غَرَسْتُ فِي تُرْبَةِ الأحْزَانِ لِيْ أَمَلاً
وَمَا سِوَى الْحُزْنِ، إِصْدارِيِ وَإيرَادِي
يُقَتِّرُ الدَّهْرُ فِي حَظِّيِ وَفِي هِبَتِي
وَحَظُّهُ مِنْ هِبَاتِي جُوْدُ أَجْوَادِي
وَلِلْفُرَاتِ أَبٌ، قِبْلِي قَضَى وَجَعَاً
فِي مَنْفَيَيْنِ، بَلا صُحْبٍ وَعُوَّادِ( )
بَرِيْدُ غُرْبَتِهِ فِيْ غُرْبَتَيْهِ بَكَى
رَسَائِلُ الْبَيْنِ مِنْ بُعْدٍ لإبْعَادِ( )
بَدَّلْتِهِ جَسَدَاً صَلْصَالَ طَاغِيَةٍ
وَمَنْ يُبَدِّلُ أَرْوَاحَاً بِأَجْسَادِ؟
وَأَنْتِ مِنْ سَلَفٍ أَوْدَى بِهِ خَلْفٌ
وَكَمْ شَقِيْتِ وَكَمْ حَاوَلْتِ إِسْعادَي
وَأَنْتِ لِي، أَنْتِ لِيْ آتيكِ مُبْتَهِلا
دَرْبِيْ تُرَابٌ فَلَمْ أَطْمَعْ بِسَجَّادِ
وَأَنْتِ زَادِيْ عَلَى بُخْلِ الْحَيَاةِ وَفِيْ
عَسْفِ الْمَجَاعَةِ، يا بُوْرِكْتِ مِنْ زَادِ
وَخُبْزُ رُوْحِيَ فِي كَفَّيْكِ مُخْتَمِرٌ
وَمَاءُ عَيْنِيَ مِنْ بُسْتَانِكِ النَّادِي
وَأَنْتِ مُلْهِمَتِي مِنْ قَبْلِ مُلْهِمَتَي
لِتَمْرِ عَيْنَيْكِ تَرْتِيْلِيِ وَتَرْدَادِي
وَمِنْ شَنَاشِيْلِكِ أَصْطَادُ الشَّجَا كَلِمَاً
صَاحَتْ لآلِئُهُ : بُوْرِكْتَ صَيَّادِي
وَصِحْتُ مِنْ وَجَعِ فِي الْقُدْسِ يُشْعِلُهُ
إِنِّي اِسْتَغَثْتُ فَغَضَّ السَّمْعَ نُجَّادِي
وَجُرْحُكِ الْحَيُّ مِنْ جُرْحِي، وَمُعْتَصِمَي
لا يَسْتَجِيْبُ، وَغَضَّ الطَّرْفَ أَشْهَادِيِ
وَكَمْ عَدَدْتُ مَلايِيْنَاً لَهَا نَسَبِي
فَلَمْ تَقِلْنِي حِسَابَاتِي وَأَعْدَادَي
وَكَمْ أَرِقْتُ عَلَى نَوْمٍ يُحَاصِرُنِيْ
خَلْفَ الْحِصَارِ، وَكَمْ أَرِّقْتُ جَلادِي
وَيَعْلُمُ اللهُ، لَمْ أُغْمِضْ عَلَى مَضَضٍ
عَيْنَ الْكِفَاحِ، وَلا أَخُلِفْتُ مِيْعَادِي
قَصَدْتُ وَجْهَكِ، مَسْكُوْنَاً بِمِحْنَتِهِ
وَخَابَ قَصْدِي، وَمَا خَيَّبْتِ قُصَّادِي
مَتَى التَّقَرُّبُ لِلْمَحْبُوْبِ مُحْتَسِبَاً
شُرُورَ صَدِّيْ وَإِفْرَادِي وَإبْعَادِي
وَيَذْبَلُ الْحُبُّ مَأْسُوْرَاً وَنُضْرَتُهُ
طَلْقَاً، تَدُوْمُ إلَى آبَادِ آبَادِ
وَأَيْنَ قَلْبُكِ مِنْ كَفٍّ تُهَدْهِدُهُ
وَدُوْنَهُ مِبْضَعٌ فِي كَفِّ فَصَّادِ
تَقُوْدُهُ طُغْمَةُ لِلْبَاطِشِيْنَ بِهِ
وَكَانَ قَلْبُكِ حُرَّاً غَيْرَ مُنْقَادِ
شَبِعْتِ أَسْرَاً وَإِذْلاَلاً وَتَضْحِيَةً
ولافْتِدَائِكِ قَلْبَي غَارِثٌ صَادِ( )
وَمِنْ نَعِيْمِ الْهُدَى عِلْمَاً وَعَافِيَةً
إِلَى جَحِيْمَ الرَّدَىْ فِي قَبْضَةِ الْعَادِيِ
بَغْدَادُ، بَغْدَادُ..نَارِيْ أَلْفُ لاهِبَةٍ
وَبَيْنَ جَنْبَيَّ قَلْبٌ أَلْفُ وَجَّادِ
أَأَسْتَعِيْدُ بِمَا أَسْلَفْتِ خَارِطَتِي
وَهَلْ أُجَدِّدُ بِاِسْمِ اللهِ مِيْلاَدَي؟
وَأَنْتِ مَا أَنْتِ . عَبَّاسِيَّةٌ سُبِيَتْ
بَغْدَادُ أَنْتِ، وَلَكِنْ أَيْنَ بَغْدَادِي؟!