تمقرطوا تلحقوا

جمال جصاني

منذ اللحظة الاولى، والتي نقلت فيها وسائل الاعلام المختلفة لمشاهد زوال (جمهورية الخوف)، طفحت علامات ومؤشرات تنبئ عن نوع السيناريوهات والبدائل المقبلة. وفي غمرة الهرولات الجمعية والفردية صوب اسلاب الغنيمة الازلية، تسلل لتضاريس المرحلة الانتقالية الرخوة، طيف واسع من المخلوقات الرشيقة، اجبرت جان جاك روسو ومقلديه على الانكفاء خجلاً في بازار الديمقراطية والصيغ المبتكرة لـ(العقد الاجتماعي).

ولم يمر وقت طويل على لحظة (التغيير) التي اطلقت مشاعر الفرح والسعادة بالخلاص من قبضة ابشع الانظمة الاجرامية والقمعية في تاريخ المنطقة الحديث، حتى وجد سكان هذا الوطن المنكوب انفسهم بمواجهة سلسلة جديدة من الحروب والاشتباكات الخائبة. وبدلا من مشاهدة راية الديمقراطية والنظام الجديد وهي ترفرف على مرتفعات ووديان وسهول هذا الوطن القديم، ها نحن نصطدم بمنظر الرايات السود لأحد ابغض واكثر التنظيمات تخلفاً وهمجية (داعش)، وهي تتبختر فوق الدوائر والمؤسسات الرسمية والشوارع والساحات الرئيسة لثاني محافظات العراق (الموصل)، والمدن والقصبات المحاذية لها. هذا الحصاد المر لم يأتِ من فراغ، بل جاء نتاجاً للسياسات غير المسؤولة والممارسات المتهورة على مدى أكثر من عقد على التغيير، حيث منهج الغطرسة والغرور والاستئثار بمقاليد السلطة والثروة والقرار. وقد كشف عن ضحالة الوعي بهرم الاولويات التي تقتضيها المصالح العليا للوطن والناس في هذا الظرف التأريخي العصيب الذي نعيشه، خاصة بعد التصدعات الهائلة التي ضربت بلدان المنطقة بعد سبات طويل.

إنّ هذا الكم الهائل من حمم ومقذوفات الهلوسة والهذيان، التي شغلت الفراغ الكبير الذي خلفته التجارب الشمولية المنهارة، يحتاج اليوم الى موقف حازم وعاجل من المجتمع الدولي، والذي ما زال بعيداً عن اداء واجباته الاممية تجاه هذا الخطر المحدق بحقوق وكرامة البشر في كل مكان وزمان.إنّ هذه الارتال المدججة من عسس (البوكو حرام) و فلول الانظمة التي تورمت زمن الحرب الباردة بين الشرق والغرب، تعيد تنظيم صفوفها لاستعادة الفردوس المفقود، مدعومة باحتياطات هائلة من قوى الثورة المضادة والمنظومات والقيم التي لا تطيق كل ما له صلة بسلع الحداثة (البوكو) ومفاهيمها المارقة. لقد تعرضنا الى خسائر جسيمة ومؤلمة، ازدادت شدة بعد بدء الهجوم المضاد الذي نظمته قوى التخلف والاستبداد في المنطقة بشتى ازيائها وبيارغها ورطاناتها من عرب وترك وعجم وما وراء البحر والنهر، ضد ما يمكن ان يتسلل الى حقول ثوابتهم من مفاجئات «الربيع العربي» غير المرحب بها. ومع مثل هذه التحديات المصيرية لا يسعنا الا ان نردد وبتصرف ما قاله الرصافي ذات منعطف:

«لأعداء الحرية مآرب في بلادكم……. لا تنتهي الا بأن تتمقرطوا».

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة