رياح المؤامرة الكبرى تهب على العراق

صادق باخان

بشكل لافت توقع فلاسفة وعلماء اجتماع غربيون بأن القرن الواحد والعشرين سيشهد حمى انتشار العنف والارهاب وظهور شخصيات تتمتع بالكرازما تسعى الى غسل ادمغة الشباب العاطلين عن العمل ودفعهم الى ممارسة العنف وشتى اعمال القتل والارهاب ، وقد صدقت توقعاتهم وظهر في المنطقة العربية آمراء الحرب ينشرون الفتاوى دعوا فيها الى محاربة من يدعو الى نشر الديمقراطية واجراء الانتخابات والى اي دعوة للحداثة وعدوا ذلك من بدع الغرب الكافر .
ويبدو ان تنظيم القاعدة وما تفرع منه من تنظيمات متطرفة مسلحة قد اتخذت من معاداة الغرب ايديولوجية لها وتجسدت معاداتها بشن هجمات ارهابية على برجي المركز العالمي للتجارة في مانهاتن في الحادي عشر من ايلول  2001 فاعلن الرئيس الاميركي جورج بوش على اثرها الحرب على الارهاب .

الارهاب لا وطن له
بالتأكيد ان تلك الحرب حققت نتائج كبيرة بدليل ان العواصم الاوروبية الكبيرة مثل لندن وباريس ومدريد  لم تعد تشهد اعمالاً ارهابية ناهيكم عن واشنطن التي ما لبثت تستلقي تحت ظلال الشموع والنبيذ وانما انتقل الارهابيون القادمون من جبال تورا بورا والمملكة السعودية وبلدان اوروبية ومناطق اخرى الى سوريا والعراق ومصر مع التأكيد ان الارهاب لا وطن له وقد يظهر في جميع انحاء العالم حتى اكتسب صفة اممية بدليل انتقاله الى روسيا البوتينية ومن يدري فلعله قد يعود باسلحة جديدة تتسرب من اوكرانيا ولهذا فقد ارتجفت اوروبا من  الازم الاوكرانية .
من الملاحظ ان العراق ، بحسب خبراء النفط ، يملك احتياطياً نفطياً يبلغ 143 مليار برميل ويمثل عشرة بالمئة من الاحتياطي العالمي فلا عجب بالتالي ان يجد نفسه محاطاً بشتى انواع المؤامرات ويغدو طبق العسل لتهجم عليه اسراب  ذباب الجماعات الارهابية ومن تحالف معها ممن فقدوا امتيازاتهم ومصالحهم الطبقية وبالمقابل يصبح من المنطقي ان نرى تنظيم داعش يسعى للسيطرة على آبار نفطية للحصول على الثروة لاقامة ما يدعونه خلافة اسلامية بمساعدة بلدان اقليمية وهو مشروع يعود في الاصل الى جماعة الاخوان .
بات من المؤكد بأن العالم صار غداة ذلك السقوط المهرجاني للاتحاد السوفييتي مختنقاً بوباء جديد اسمه الارهاب او العدمية السياسية الممتزجة بالفوضوية المحدثة ، وللارهاب ، بطبيعة الحال ، تاريخ طويل في مجرى الصراعات السايكو – سوسيولوجية شمل الشرق والغرب على حد سواء .
قد يسأل البعض ممن لا يحيط علماً – ما هو الارهاب ؟ يقول الخبراء بان مصدر كلمة الارهاب يعود الى انه يعني اثارة الخوف والرعب وبشكل عام يتم تعريف الارهاب على انه استعمال غير شرعي للقوة او العنف او التهديد بقصد تحقيق اهداف متعددة منها نفسانية وسياسية لا تخلو من دوافع طبقية ومن ذلك فان الفكر الذي يستند اليه الارهابيون ليس سوى حطام ضائع وسط التيارات الفكرية والفلسفية للعصر الحديث وهو الخطأ ذاته الذي سقطت فيه الاشتراكية القومية ، بمعنى النازية الهتلرية التي اتخذت من الكراهية والعنصرية فلسفة لها واساءت اساءة فاحشة لفلسفة فريدريك نيتشه ومجدت موسيقى ريتشارد فاغنر واحتفل بها مع الاسف الفيلسوف مارتن هايدغر فكان من الحتمي ان تسقط النازية بالصورة التي سقطت فيها في اثناء الحرب العالمية الثانية .
يمكن القول بايجاز ومن دون استطرادات منهجية سوسيولوجية بأن عقود الستينيات والسبيعينيات والثمانينات شهدت اقصى حالات دراما الارهاب في سياق سيناريوهات الحرب الباردة بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي تجلت في ظاهرة عمليات اختطاف الطائرات المدنية والاغتيالات السياسية والحروب الصغيرة التي كانت ترتكب بمباركة وتخطيط الانظمة الانقلابية الفاشية الى قادت الى ظهور اعداد مشوه للانسان اصبح بالتالي خاضعاً لقواعد وقوانين تجرد الانسان من انسانيته ولا يعود بالتالي ينتمي الى المملكة الانسانية وانما ينتمي الى غابة للوحوش والكواسر والى عالم الارهاب الذي يسعى الى تدجين الانسان وتضخيم الكراهية والشك في كل ما هو خلاق وحر وبهذا يمكن القول بأن الارهاب تحول الى ايديولوجيا القرن الواحد والعشرين كأن لامراء الحرب والارهاب حنيناً لعصور الغزوات البربرية في معاداتهم للانظمة الديمقراطية وللحداثة ومشاركة المرأة في الحياة السياسية واكبر مثل لهذا تجلى في نظام طالبان في افغانستان الذي منع المرأة الخروج من البيت ومنعها من العمل ومنع تسريحات الشعر على الطريقة الغربية ومنع الموسيقى ومشاهدة التلفزيون ومنع الاطفال من لعب كرة القدم واستعمال الطائرات الورقية ، ولا تصابوا بالدهشة ايها العراقيون حين تجدون تنظيم داعش يعيد السيناريو ذاته في نينوى حين أمر النساء بالبقاء في منازلهن وطلب الحشمة والستر كأن امراءه من افضال القوم .

داعش والفكر الطوباوي
من المعروف ان تنظيم داعش او ما يعرف بالدولة الاسلامية في العراق والشام جاء قيامه نتيجة اندماج منظمتين ارهابيتين ورفض زعيم تنظيم القاعدة ايمن الظواهري هذا الاندماج والغى التنظيم معلناً بالغاء ما يسمى بالدولة الاسلامية في العراق والشام واعلن ان جبهة النصرة لاهل الشام وهي فرع القاعدة في سوريا الا ان زعيم تنظيم داعش ابو بكر البغدادي ضرب برأي الظواهري بعرض الحائط واستمر باعلان تشكيل تنظيمه والاستمرار بالقتال ضد النظام السوري ،يقوم تنظيم داعش على اساس التطرف الديني ويعمل بشعار يكتسب شيئاً من الفكر الطوباوي وهو انشاء دولة دينية على وفق المعايير المتطرفة التي ذكرنا بعضها انفاً ويقوم تنظيم داعش باعتماد العمل العسكري الارهابي لبث الرعب في قلوب خصومه الذين يؤمنون بالنظام الديمقراطي واجراء الانتخابات واقامة مؤسسات الدولة المدنية واشراك المرأة في العمل السياسي بوصفها نصف المجتمع .، فما العمل لدحر الارهاب في العراق لتقرع بالتالي اجراس النصر ؟
لنعد شيئاً الى الوراء ونذكركم بالتواريخ اذ حين وقع الزعيم النازي ادولف هتلر والزعيم السوفييتي جوزيف ستالين على ميثاق العام 1939 تساءل المثقفون الماركسيون – كيف يمكن لشيوعي ان يصافح سفاحا نازياً ؟ ويبدو ان ذلك جعل ستالين يشعر بالاحباط واعتكف في منزله ولما هاجم هتلر الاتحاد السوفييتي بقصد محاصرة موسكو وستالينغراد خرج ستالين من عزلته وخاطب السوفييت بالمايكروفون –اما الوطن او الموت ، فجاء الصدى مجلجلاً وسط تساقط الثلوج. اما الوطن او الموت ، فهبت حشود الجيش الاحمر لتدافع عن ستالينغراد التي حاصرتها القوات الالمانية وتمكنت من فك الحصار النازي عن المدينة ولم تسمح للطاعون النازي ان يغزو المدينة البطلة ، كذا هو حال الشعوب فانها تتوحد وتتكاثف وتجتمع على الحق وتنتصر للعدل وتدافع عن كرامتها ضد كل من يسعى لانتهاكها وتجريحها والطعن بها والعراقيون اليوم امام امتحان صعب محاط بالاسوار العالية والاسلاك الشائكة فلا خيار الا في توحيد صفوفهم وتعزيز الثقة بينهم لمواجهة الارهاب والارهابيين والاهم من هذا متى يتوحد السياسيون بكل اطيافهم وتوجهاتهم وينسون مصالحهم الذاتية والحزبية ؟ فالعراق بات يشتعل والباحثون عن السلطة صاروا يدقون على بوابات بغداد اما من غيرة تستيقظ من سباتها واما من ( فزعة ) تثير غبار الوغى لرد رياح المؤامرة الكبرى التي باتت تهب على العراق ؟
ولعل من المفيد التشديد على عدم الالتفات الى ما تبثه بعض الفضائيات نخص منها بالذكر فضائية العربية التي ما لبثت تقيم الاعراس في برنامج الحدث ( للانتصارات ) التي حققها تنظيم داعش واجرت لقاءات مع ( قادة الثورة الوطنية والاسلامية ) الذين تحدثوا بلغة حافلة بالحقد على الحكومة العراقية وعلى شخص رئيس الوزراء السيد نوري المالكي ولهذا فمن حق رئيس الحكومة ان يحذر من الالتفات لما اسماه بالاعلام الخبيث والفضائيات الحاقدة التي تروج للهزيمة المعنوية  وخاطب تنظيم داعش محذرا ومتوعدا بان جموع المتطوعين ستصلهم وستسحقهم ومن يقف ورائهم .
والابشع من هذا ان يخرج القرضاوي ليعلن الزحف على ( معاقل المجوس الصفويين ) بلغة تحرض على الفتنة الطائفية وتدعو لتحويل العراق  الى دولة كانتونات مثلما فعلوا بلبنان بؤرة الحداثة المشعة ومزقوه بحرب اهلية دامت خمس عشرة سنة وصارت بيروت مدينة تسكنها الاشباح ، ولكن هيهات لكل موتور اثيم وسيبقى العراق عصيا على الغزاة وستظل بغداد عاصمة المجد ولن يمر الغزاة من البرابرة الجدد وسيبدد العراقيون رياح المؤامرة الكبرى الهابة من جميع الجهات  لتظل سماء العراق صافية مشرقة .

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة