إسماعيل زاير *
ملايين الأفئدة العراقية عاشت ساعات من العذاب والخزي منذ أول من أمس.. الداعشيون وجدوا أخيراً ما يعتاشون عليه اعلامياً وأمنياً وعسكرياً.. فما ان انقشعت غيوم “غزوتهم” في سامراء حتى بدأت التقارير تتوارد وتتواتر عن استهداف الموصل، ثاني أكبر حاضنة بشرية ومركز انساني عراقي يضم مليوناً وسبعمائة ألف مواطن. وقلنا: ان هذا امتحان سيعزز الآمال التي نهضت بفشل غزوة سامراء في اعادة احياء الفتنة الطائفية، ولا سيما ان التقارير الاعلامية التي أتحفتنا بها قيادة عمليات نينوى حولتها الى قوة خارقة تمتد ذراعها من الحدود مع سوريا الى أعتاب صلاح الدين وأطراف كركوك.
ولكن اليومين الماضيين أثبتت اننا كنا نعيش في أجواء حلم كاذب بدّد كل أمل في الإنتصار على الظلاميين والمجرمين من داعش وقبلها القاعدة. فقد أصبحت نينوى تحت قبضة داعش من دون قتال حقيقي وشقت العصابة الإرهابية الملعونة من كل العالم جسد أم الربيعين واحتلت ضفتها اليمنى قبل أن تنتقل بواكير دورياتها الى الضفة الثانية. تركت المقرات العاصية والقلاع الرهيبة كمقر الفرقة الثانية من دون حتى الحراس، وغادر الجنود قاعدتهم الجوية وطائراتهم المروحية نادرة العدد بيد الداعشيين.
وبكلمات بسيطة انهارت دفاعات الموصل وانهارت معها الحقيقة، فلم نعرف وربما لن نعرف أبداً من تخاذل ومن خان العراق ومن تعاون مع داعش. وعبثاً تغطي الحكومة حقائق الخذلان الكبير عن الشعب، فهي واضحة كنور الشمس وأبطالها أحياء، فلم نسمع عن استشهاد قائد واحد من قادة الفرق الأربع التي تحمي المدينة ولا حتى أحد من أركانه أو معاونيه. مات بالأحرى الأمل العراقي باستعادة الثقة الوطنية بمؤسسة الجيش.. مات فينا ذلك الفخار النابع من احترامنا لتأريخ هذه المؤسسة العراقية الكبيرة.
اليوم تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود.. فقد أظهر اللواقع الملموس كم كنا بعيدين في أحلامنا وكم كنا مخدوعين بثقتنا بالقيادات التي طالما ترنمت بمقولة بناء سياج وطني مهيوب يحفظ العراق وأهله. الآن قلوبنا عند أهلنا في الشرقاط وفي الحويجة وفي بيجي وفي صلاح الدين خوفاً عليهم من أن يستيقظوا صباحاً ليجدوا رايات داعش ترفرف فوق أسطح منازلهم كما رفرفت في شوارع الموصل.
ومع اننا بدأنا نسمع نغمة “استعادة نينوى وطرد الإرهابيين وتطهير الموصل وكل المناطق الأخرى من داعش”، نقول للذين أوصلونا الى ما نحن فيه اليوم: ان كل هذا لن ينفع في غسل عار تسليم الموصل من دون قتال للداعشيين. فقد ذهبت عذرية الكلمات وطهارتها. ولا نريد أن نسمع من أحد ما يظهرنا وكأننا متطيرون أو محبطون أكثر مما ينبغي، فقد كنا نفضل أن نرى قادة الفرق المسؤولين عن الموصل وهم شهداء أو منتحرون على أن نستمع الى تبريراتهم لاحقاً.
نحن نستعيد تأريخ القيادة العسكرية في العالم عبر القرون المديدة ونستذكر كيف ان قائد الجيش لا يهرب ولا يستسلم، وبالأحرى لا يبرر. العراق كله حزين وخائف ومرتعب من هول ما حصل، وكما قلت حتى لو استعدنا الموصل وعرضنا رأس أبي بكر البغدادي وعزت الدوري على أسنة الحراب فلن تهدأ اللوعة في قلوبنا. العراقيون غاضبون جداً مما حصل ولا يخطئ أحد في ان الغضب والألم ناجم عن جرح في الروح العراقية كما الجسد. فالعراقيون أهل كرامة وأهل شجاعة وأهل حنكة في المعارك وأمام التحديات.. انما كيف أوصلنا أهل الحكم الى هذا الدرك؟