حروب الكلام

عامر القيسي

حرب من نمط جديد نشهده في صالة العرض السياسي الجديد، وهي حرب لارصاص فيها ولا مدافع، رغم انها تترك خلفها مجندلين وضحايا ربما يكتشفون فيما بعد انهم اسرى الافخاخ التي نصبت لهم بحكمة وعناية !

المالكي يعلن عن كتلة من 175 نائبا وفي طريقها الى الازدياد, .. اياد علاوي والنجبفي يعلنان عن كتلة الـ 200 نائب ، فيما تضج الفضائيات والاعلام عموما باخبار التنقلات من كتلة الى اخرى، وتشكيلات الـ 55 وال، 44 ومؤتمرات صحفية على طول النهار وعرض الليل، يتبعها ضجيج النفي والتكذيب والاعلانات عن المواقف المبدئية ، فيما لايخفي الكثير من المطلعين على شؤون واسرار ما خلف الستار وتحت الطاولة، داخل البلاد وخارجها عن نشاط ملفت للنظر للبورصة السياسية وتبدلات في الاسعار صعودا وهبوطا حسب الوزن والقافية والتاثير !

وتفرز هكذا انواع من الصراعات لغتها الخاصة للتعبير عن واقعيتها ، فهناك التعبير الجديد على قاموسنا السياسي وهو «سنّة المالكي» فيما ترتفع مفردات التخوين والخيانة والضعف والجبن والاجندات الى حدود «فقدان الرجولة»..

وفي وسط كل هذه الفوضى الخلاقة ، حسب العم سام،تنبت «طبقة» من المنتظرين الاذكياء الذين يكرهون كل اشكال المغامرات بما في ذلك المغامرات النسائية ويشتغلون على «المضمون» لان الفرص لاتتكرر كثيرا، وحسب مثل فرنسي فان الحظ قد يطرق بابك مرّة ولا تسمعه فلا يعاود الطرق الا بعد مئة سنة، وعندها يكون الطرق كالضرب في الميت ! 

هو ليس ابتكارا عراقيا ، لكن الجماعة بالغوا به الى درجة الحظيظ ، فاصبحت حربا لالون ولا طعم ولا رائحة لها، انحدرت صراحة الى مستويات، فقدت فيها السياسة والديمقراطية والصراعات «النظيفة» كل معانبها ، عندما يصبج كل شيء قابل للبيع.. وكل شيء قابل للتبدل السريع والقياسي معا، وانطبق على الكثير من نواب هذه الفوضى مثلنا الشهير «كلام الليل يمحوه النهار» .. فالمواقف تتبدل وتتحول من اقصى اليمين الى اقصى اليسار بهمة ونشاط دون خجل ولا احساس باهمية مواقع المسؤولية التي سيشغلها السادة الجدد سواء تحت قبة البرلمان او في الكابينة الوزارية الجديدة المنتظرة !

لا اعتراض على التنقل من شجرة الى اخرى ومن موقف الى آخر، فالسياسة متلونة وهي من فنون الممكن كما يقال عنها ، لكن اسباب التحولات لدينا للاسف الشديد لاتتعلق معظمها، ان لم تكن كلّها، بالمواقف المبدئية والمصالح العامة واختلافات الرأي والرأي الآخر التي نؤمن بها ونسعى اليها، فضلا عن انها ضمن اطار المنظومة الديمقراطية .. ولماذا نكون احسن من المبدأ الاميركي ان «لاصداقات دائمة ولا عداوات دائمة» .. لكن الفرق بين التشبيهين ان الاميركي مبني على مصالح الامة الاميركية فيما لدينا مبني على مصالح ضيقة على الاغلب لاتحقق مصالح الامة العراقية !

الاسوأ من كل ذلك.. ان هذا النوع من الحروب ومنتجاتها تعكس صورة متشائمة للغاية لدى الجمهور، عن نمط القادمين الجدد والقدامى منهم ايضا، الذين سيتولون مصالحنا العليا وتطرح تساؤلات مشروعة عن النوعية التي غربلتها حروب الكلام والبورصات.. عن قدرتها على ان تقود بلدا تمرغ شعبه بحروب الرصاص ويؤلمه ان يرى ساسته الجدد يتجندلون صرعى حروب الكلام والبورصات !!

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة