كلاوديا منده:
منذ تأسيسها قبل عشرة أعوام تحولت «مكتبة حكواتي» إلى ما يشبه المؤسسة في العاصمة الأردنية. فليس هناك مكتبة أخرى يستطيع القراء الصغار التردد عليها ويجدون فيها هذا الكم من كتب أدب الأطفال والشبيبة.
صبي صغير برأس كثيف الشعر يتأرجح على حرف الياء في كلمة «حكواتي» المضاءة باللون الأحمر. «حكواتي» هو اسم المكتبة الوحيدة في الأردن التي لا تقدم سوى كتب للأطفال والشبيبة. الشعار الملون في مدخل المكتبة يجتذب كل الأنظار في شارع مكة الذي يعد أحد الطرق الرئيسة الكئيبة في الحي التجاري بعمان.
تهدف «حكواتي» إلى أن تكون أكثر من مجرد مكتبة لبيع الكتب، فهي تعدّ نفسها مكاناً إبداعياً مُخصصاً للناشئة، وتقدم المكتبة عروضاً للرسم والتشكيل، كما أنها تصبح في كل يوم سبت ملتقى للحكي والحكواتية حيث يسمح للتلاميذ في هذا اليوم بتقديم النصوص التي كتبوها بأنفسهم.
على أرفف المكتبة هناك كتب إنجليزية وفرنسية وعربية. لكن محور اهتمام المكتبة هو الأدب العربي، كما تعرض المكتبة كتباً مصورة وكتباً لتعليم القراءة للصغار، وكتباً للمس Touch-and-Feel-Books وكتباً مسموعة على أسطوانات مضغوطة (سي دي). وللقُرّاء بدءاً من ستة أعوام هناك كتب لمؤلفين من مصر والأردن ولبنان والإمارات العربية.
ويعيش في الأردن عدد كبير من كتاب الأطفال المشهورين، بدءاً بـ وفاء توفيق القسوس ومحمد الزاهر وصولاً إلى تغريد النجار ومارغو ملاتجليان. وتقول مديرة مكتبة حكواتي السيدة بيان تيتي إن الاسمين الأخيرين يتمتعان بشعبية خاصة بين القراء الأردنيين. ويبلغ مجموع ما نشرته تغريد النجار، وهي أردنية من أصل فلسطيني، من كتب للأطفال تحت سن العاشرة نحو أربعين كتاباً. وتعيش الكاتبة في عمان وهي مخترعة سلسلة شعبية تتكون من ستة أجزاء بعنوان «سلسلة الحلزون» عن الفتاة جودي ذات الست سنوات وعن حياتها، والسلسلة مزودة بصور للرسامة السورية لجينة الأصيل.
وتعيش مارغو ملاتجليان في عمان أيضاً، وهي ولدت في عائلة أرمنية في القدس، ونشأت وترعرعت في الكرك، في الجنوب الأردني، أما أعمالها فتُقرأ اليوم في كل ربوع العالم العربي، بل إن كتبها تُدرس في المدارس الابتدائية في المملكة العربية السعودية. وبجانب أدب الأطفال كتبت ملاتجليان عدداً من المسرحيات، لا سيما للأطفال، كما أنها تشرف من حين لآخر على برنامج الأطفال في التلفزيون الأردني.
وحسبما ترى بيان تيتي فإن الوضع تغير كثيراً في عالم كتب الطفل منذ أن فتحت مكتبة «حكواتي» أبوابها. تدير تيتي المكتبة بحماسة، وهي تقول: «أنا أعشق بيع الكتب». وتهتم دور النشر العربية اليوم اهتماماً كبيراً بالرسومات الشيقة، ونوعية الورق الجيدة، والغلاف الجذاب. بالرغم من ذلك فإن صاحبة المكتبة ما زالت تفضل الترجمة عن لغات أجنبية. «أنا أحترم الكتّاب العرب»، تقول تيتي، «لكنهم ربما يكونون في بعض الأحيان خوافين أكثر من اللازم، على كل حال هم لا يبتكرون مثل زملائهم كتاب أدب الأطفال في الغرب».
وهناك ترجمات عربية كثيرة لكتب الأطفال السويدية على وجه الخصوص. وهكذا نجد أن الكاتبة أستريد ليندغرن تتمتع بشعبية كبيرة في الأردن أيضاً، أما بيبي لانغشترومبف فتُسمى بالعربية «جِنان»، كما يقبل الصغار أيضاً على أعمال مثل «راسموس والصعلوك» أو «ميرابيل».
وكيف يتلقى الجمهور العربي شخصية متوحشة مثل بيبي لانغشترومبف؟ فالبطلة بيبي فتاة تعيش وحدها، وبإمكانها أن تفعل ما تريد. لقد أحب الأطفال العرب «جنان» وأسلوب حياتها الفوضوي. هناك طلب كبير على الكتاب، تقول مديرة المكتبة بيان تيتي، وتضيف: «الأطفال يحبون هذه الفتاة. في المدارس فقط لا يحبون بيبي لانغشترومبف، فهم يجدون الفتاة السويدية ذات الشعر الأحمر متمردة أكثر من اللازم».
التنوع الكبير في كتب الأطفال السويدية يرجع بالدرجة الأولى إلى الأردنية الأصل منى هنينغ زريقات التي تعيش منذ فترة طويلة في السويد. ومنذ العام 1984 قامت دار النشر التي تمتلكها، دار المنى، بترجمة نحو 130 كتاب أطفال من السويدية إلى اللغة العربية. وكتب الأطفال السويدية محبوبة للغاية، غير أنها تكون في غالب الأحيان أغلى من الكتب المحلية.
وعبثاً يبحث المرء عن شخصية خيالية مثل شخصية بيبي/جنان لدى الكتاب العرب في الوقت الحالي. غير أن عدد كتب الأطفال قد زاد زيادة كبيرة مقارنة بالفترة التي تأسست فيها «حكواتي» قبل عشر سنوات. وفي كثير من الكتب نجد فتيات جسورات كشخصيات رئيسية. أما فيما يتعلق بكتب الشبيبة فالعدد أقل بكثير.
نشرت الكاتبة الأردنية رنا عزوبي روايتين للأطفال حتى عمر اثنتي عشرة سنة، ولكن باللغة الانجليزية، وهما Through the Mud Wall 2007 و Million Star Hotel 2009. غير أن قصصها، مقارنة بكتب الشبيبة الغربية، تتسم بأنها تربوية ومهذبة. وكونها تكتب باللغة الإنجليزية فهذا يرجع إلى محدودية سوق الكتاب العربي وقلة الإصدارات، أما سوق الكتاب الإنجليزي فهو أكبر بكثير، كما أن عزوبي تبيع كتبها في كل المنطقة الناطقة بالانجليزية. وتدور كتبها في المقام الأول حول كنوز الأردن الثقافية والطبيعية. أما الصراعات مع الوالدين أو المشاكل العائلية أو السلوك المختلف فكل هذه الموضوعات سيبحث القارئ عنها من دون طائل في كتب عزوبي.
ولكن ما هو سبب قلة كتب الشبيبة المكتوبة باللغة العربية؟ لدى مارغو ملاتجليان تفسير منطقي لهذه الظاهرة. «لقد حاولت بنفسي أن أكتب حكايات للشبيبة بعد أن نشرت كتباً عديدة للأطفال»، تقول الكاتبة. لكنها تخلت عن فكرتها بسرعة، لأن الموضوعات الكلاسيكية في أدب الشبيبة موضوعات شائكة، إذ أن كتب الشبيبة تتناول المغامرات واكتشاف الذات والجنس والحب الأول. «عندما يكتب الكتاب الأجانب عن هذه الموضوعات فهذا شيء مقبول تماماً»، تقول مارغو ملاتجليان. «غير أن القُرّاء في المنطقة ينتظرون من الكتّاب الأردنيين أو العرب أن يتجنبوا مثل هذه الموضوعات».
على سبيل المثال هناك إقبال متحمس في العالم العربي على روايات هاري بوتر. ولكن لو اخترع كاتب عربي هاري بوتر، لما كانت ردود الأفعال بهذه الدرجة من الحماسة التي تلاقيها الكتب في أماكن أخرى. كما أن روايات المغامرات لا تخلو من مشاكل أيضاً: «من الصعب بالنسبة للكتاب أن يكتبوا عن المغامرات عندما يكون قراؤهم الصغار يفتقدون إلى حرية الخروج وتجربة قدراتهم بأنفسهم». وهذا أمر – تؤكد ملاتجليان – ينطبق على الجنسين. ككاتبة لا تستطيع أن تتجاهل الجمهور خلال الكتابة. «فأنا أريد أن أبيع كتبي في نهاية الأمر».
وبشكل إجمالي فإن معدلات القراءة ما زالت متدنية جداً في العالم العربي. «لكن هذا الوضع يتغير ببطء»، تأمل مديرة المكتبة بيان تيتي. ولإثارة حماسة القراءة تنظم «حكواتي» ندوات قراءة للوالدين، فالحنين إلى الحكايات المثيرة كبيرٌ على كل حال.
* عن موقع قنطرة