بعض الاعتبارات الأساسية لموازنة العراق لعام 2014

 كارلو سدراليفيج*

إنّه موسم إعداد الموازنة في العراق؛ بمعنى تلك الفترة الزمنية من العام، التي يُوضَعُ فيها قانون الموازنة، إذ سوف يقوم مجلس النّواب قريباً بدراسة مسوّدة موازنة عام 2014 التي يضعها مجلس الوزراء، وهذه الفترة الزمنية هي أحد الأوقات المهمّة لأي بلد؛ نظراً لأنّ الموازنة هي، من دون شك، الأداة الأكثر حسماً في السياسة الاقتصادية: إنّها الأداة التي تُحدِّد كيفية توجيه مسارات إيرادات الصادرات النفطية الضّخمة داخل الاقتصاد المحلي، فالموازنةُ تعكس أولويات العراق؛ فهي تُلبِّي الحاجات المُلحَّة بأنواعها الاجتماعية، والأمنية والبنى التّحتية، كما أنها تُخصِّصُ الموارد المناظرة لتلك الحاجات.

وبناءً على ذلك، فإن وضع موازنة مُعدَّة على أسس سليمة يعد أمراً بالغ الأهمية، لا بل إنّه يكتسي أهميةً أكبر في البيئة الصّعبة الحالية، التي تفرضُ فيها المخاطر الأمنية، المحلية منها والإقليمية، وإيرادات الصادرات النّفطية المشكوك فيها، تحدِّيات تعترض سبيل التّخطيط للمستقبل.

نحن على معرفة بعملية إعداد الموازنة في العراق، فقد كان الصندوق ولا يزال يعمل مع الحكومة العراقية لفترة تزيد عن 10 سنوات في هذا المجال الذي اشتمل، من بين أشياء أُخرى في الآونة الأخيرة، على إطلاق إعدادات الموازنة الفدرالية لعام 2014، بناءً على دعوة تلقّاها من الحكومة العراقية.

واستناداً إلى الدروس التي توافرت لدينا من واقع التّعاون طويل الأمد فيما بين صندوق النقد الدولي والعراق، ومن خبرات الدول الأعضاء لدى الصندوق، ولا سيّما من الدول الغنيّة بالنّفط، فإنّني أودّ أن أطرح عليكم خمسة مبادئ عامة كأساس لتشكيل وصياغة الموازنة، وهذه المبادئ هي:

أولاً، من المُهمِّ أن تكون الموازنات مُموَّلة بالكامل، مما يعني ضرورة أن تُغطِّي مواردُ مُحدَّدةٌ مجموعَ اعتمادات الإنفاق. أما في حالة العراق، فإنّ مورد الموازنة الرئيس هو النّفط، ما يعني بالتّالي ضرورة أنْ تُعزِّزَ الإيراداتُ الواقعيةُ، المُتوقّعة من صادرات النّفط، الموازنةَ التي تضعها الحكومة، ولأجل تحقيق هذه الغاية، فمن الحصافة بمكان أن يُؤخذَ في الحُسبان أثرُ أعمال الصيانة التي أُجريت في الآونة الأخيرة، والتأثيرات التي تُحدثها عوامل الطقس، والحوادث الأمنية التي تقع على أحجام الصادرات النفطية. كذلك فإننا نقترح أيضاً اعتماد افتراضات مُحافِظة لأسعار النّفط، بحيث تكون أدنى بشكل كبير من المتوسط الحالي للأسعار الآجلة لعام 2014، والمقدرة بنحو (100) دولار أميركي لكل برميل؛ وذلك لكي تُؤخَذَ في الحُسبان مخاطرُ التّطورات المُعاكسة المحتملة في أسواق النفط العالمية.

ثانياً، يجب أن تكون الموازناتُ مُتّسقةً مع استدامة المالية العامة على المدى المتوسط. وفي العراق، كما هو الحال في كثير من البلدان الأخرى، ستكون لبعض التزامات الإنفاق للعام المُقبل مضامين وتبعات على المستقبل، فعلى سبيل المثال، فإنّ الزيادات في الأجور أو في أعداد الموظفين العاملين في القطاع العام، في عام 2014، سوف تُرحّل إلى عام 2015 وإلى الأعوام التالية له. وبالمثل، فإنّ العديد من مشاريع البنية التّحتية الجديدة التي تنطلق لترى النّور خلال عام 2014 سوف تُنجَزُ على مدى عدة سنوات، الأمر الذي يُلزم موارد الحكومة لفترة تتجاوز مدى الموازنة الحالية. وينبغي لأجل ذلك توخِّي الحذر لضمان إمكانية استدامة الإنفاق المُخطّط لصرفه خلال عام 2014 على المدى المتوسط.

ثالثاً، يجب أن تعكس تركيبة الإنفاق المُدرج في الموازنة أولويات البلد، وقدرته على تنفيذ تلك الأولويات بفعّالية وكفاءة. بالنسبة للعراق هذا المبدأ مهم بالتحديد بالنسبة للموازنة الاستثمارية وذلك في ضوء الاحتياجات الكبيرة للبنى التحتية و بالتالي فإن موازنة عام 2014 تمثل فرصة حقيقية لتنفيذ أولويات الدولة المتزايدة للاستثمار و المحافظة على الإنفاق الاجتماعي . ويتطلب ذلك توفير مساحة تستوعب هذا الإنفاق في الموازنة ذلك من خلال ترشيد التوظيف في القطاع العام ، ودعومات الطاقة ، ونظام التوزيع العام للغذاء (بطاقات الإعاشة) والترشيد في التحويلات للمؤسسات المملوكة للدولة (الشركات الحكومية) و هذه الأخيرة هي عملية سوف تأخذ بعضاً من الوقت .

رابعاً، من شأن الموازنة التّحوّطية (الاحترازية) أن تسمح بالتّراكم التدريجي للاحتياطيات في صندوق تنمية العراق، وبخاصة في ضوء الشكوك التي تكتنف الأسواق النّفطية وانعدام الاستقرار الإقليمي، الأمر الذي ربما يؤدِّي إلى خفض أسعار النفط الدولية خفضاً جوهرياً أو إلى تعطيل مسارات تصدير النفط العراقي.

خامساً وأخيراً، يتعيّن علينا أنْ لا نُغفل حقيقة ما تتطلّبه الموازنات، التي تُعَدُّ على أُسس سليمة، من وجود مؤسسات قوية تستطيع دعم التّنفيذ الفعّال للموازنة. وفي هذا الشأن، فإنّ تقوية مستوى الإبلاغ بشأن ما يتعلّق بالموازنة، وتحسين مستوى التّنسيق بين الوزارات، وتوضيح مسؤوليات الوزارات الخدمية القطاعية سوف يكون أمراً مساعداً للموازنات.

العراقُ بلدٌ غنيٌّ، وصياغة موازناته الحكومية على أُسسٍ سليمة، بما يتّفق مع المبادئ الموضّحة أعلاه، سوف يُساعدُ على نجاح ثروة البلد في تحسين المستويات المعيشية لأهله.

* رئيس بعثة صندوق النقد الدولي للعراق

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة