النضوب في الكتابة الصحفية

أمير الحلو*

الكتابة الأدبية أو السياسية أو الإقتصادية وغيرها هي عبارة عن إنعكاس طبيعي للقراءة والثقافة، فمن دونها لا يمكن ان يطلق لقب كاتب على شخص ما، ومن شروطهما المعرفة والدقة في النقل والحفظ وليس الكتابة على الذاكرة التي غالباً ما تخطئ في الشخصيات والتواريخ وحتى التحليلات.

انه من الجميل والطبيعي ان تظهر الآن أقلام جديدة تكتب بلغة متينة وتطرح مواضيع مهمة، وذلك نجده في أغلب مطبوعاتنا أو وسائل إعلامنا، ولكن يقابل ذلك جهل مطبق لدى البعض عندما يريد ان يصنع من نفسه كاتباً من دون (بناء) مسبق يعتمد على الكتابة، وقد تجد في بعض الصحف عشرة أعمدة في عدد واحد لا تفهم ماذا يريد كاتبها منها وكأنها محجوزة له بـ(الطابو)، وعتبي هنا ليس على عديمي المعرفة ولكن على الكتـّاب الجيدين الذين (إستهلكوا) ما عندهم من رصيد جيد وباتوا يكتبون عن أي شيء حتى خارج إختصاصهم .. وصحيح ان السياسة والكتابة حولها مباح لكل كاتب، ولكن أن يذهب إليها كاتب جيد ومعروف في مجاله الفلسفي والأرشيفي وحتى الأدبي، فهو أمر يحتاج الى وقفة مع النفس، لانه سيضطر الى كتابة (أي كلام) بما يثير حفيظة محترفي السياسة عليه لانه يريد بسطرين مثلاً ان يلغي فكراً عاش ويعيش منذ قرون، أو ان يعيد ويصقل ما كتبه سابقاً ولكن بعبارات أقل دقة وتأثيراً، وهنا يكمن السؤال: هل هي حاجة مادية أم دافع في التواصل؟ والفرق بينهما كبير فالكثير من كتـّابنا (وأنا منهم) نحتاج الى ما يلبي قوتنا اليومي نظراً لعدم (تراكم) رأس المال لدينا ولكن يجب أن لا يكون ذلك في مجالات هي ليست من إختصاصنا أو (حسم) الأمور عن طريقة الكتابة القصيرة التي لا تمثل مدرسة بل هرباً من الصف الدراسي المعهود والذي يأخذ بعداً واسعاً في المعرفة وإغناء الآخرين بها.

ولا أقصد هنا ما يكتب في (المواقع الإلكترونية) ففيها الجيد وفيها (السباب والشتائم والأكاذيب) ولكني أقصد ما أقرأه في بعض صحفنا اليومية من مقالات وأعمدة لا أفقه منها شيئاً ويظهر ان كاتبها يقول (ألف الحمد لله) عندما ينتهي من (تسويد) المساحة المخصصة له من دون ان يتساءل مع نفسه: هل أضفت شيئاً في مقالتي!

انها دعوة الى (كتـّابنا)، وأنا منهم، ان لا نستهلك أنفسنا وإمكاناتنا في الكتابة السهلة والفارغة لمجرد الإلتزام بتحرير مقالة أو عمود يومي، وكذلك فان على مسؤولي الصحف ان لا يجعلوا تلك الكتابات مجالات (لإستعراض العضلات الفارغة) فأنا أقرأ بـ(إهتمام) مقالات لأستاذ أكاديمي تتركز (الآن) أكثر كتاباته على توجيه النصح للجيل الجديد في ضرورة جعل الأخلاق هي المبدأ الرئيسي في الحياة ويبدو (ناسكاً) في كتاباته، فأتذكر انني إعتذرت مرة عن نشر حكاية له عن مجيء عامل الى داره في أميركا لتصليح التلفزيون لمجرد طلبه بالهاتف، لأنه يريد نشرها في الصحف الثقافية، فقلت له بأنها ليست ثقافية ويمكن نشرها في صفحة أخرى، فبعث لي برسالة (أحتفظ بها) يطعن فيها بشرفي الشخصي منذ كنت (حلواًَ) صغيراً على حد تعبيره، وهو لا يعرفني في جميع مراحل عمري، ثم يقول لي بأنني من مدينة (قتلت الشرفاء) في حين هو من مدينة أنجبت الأبطال، ولا أريد الخوض في هذا الموضوع، ولكن مثل هذه العقلية لا يمكن ان تكون موجهة للأجيال وتلبس لباس الحمل بعد ان كانت ثعلباً (في زمن ما)..!

أنني أول من سيعترف بنضوب معينه في الكتابة عندما أجد نفسي عاجزاً عن إيصال فكرة ما، وقد كتب لي أحد القرّاء مرة رسالة (شتائم) وأنني لا أقول شيئاً في كتاباتي وكان يتوقع غضباً أو رداً مني ولكني نشرت رسالته (بحذافيرها) مع تعليق مني يقول (أنا لا أقرأ كتاباتي فلماذا تقرأها أنت)؟

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة