للقلب حكمته

صادق باخان *

انها كارثة الزمن الجديد ، لم تعد كتب الشعر تجلس القرفصاء في قلوب الناس ولا الموسيقى المهذبة تغدو ترنيمة النوم وذلك لان القلوب تحولت الى مناجم مهجورة او معادن باردة في زمن الجري وراء المال والوجاهة الاجتماعية المزورة في زمن الامساخ الجدد –

يقولون ان الشاعر يتخذ العزلة لانه لا يتقن مهنة اخرى ، سؤال –هل ارتكب السيد افلاطون غلطة فلسفية حين اوحى بطرد الشعراء من جمهوريته اليوتوبية ؟ ولعله اصطنع ذلك لانه عاش في عصر اختنق بالاخطاء ولهذا اقسم المعلم الاول السيد ارسطو بأنه  لن يسمح ثانية لاهل اثينا بأن يرتكبوا الخطايا بحق الفلسفة –

الشاعر يقول لنا –  ان شئت ان تفهم الحياة فينبغي ان  تقع  في حب امرأتين ، واحدة تحطم قلبك والاخرى تعيد ترميمه ، لكن شوبنهاور ، فيلسوف عربات الموتى ، كان يقول – اذا تحطمت قلوبكم فالافضل لكم الا تحاولوا ترميمها ، لماذا ايها الهير شوبنهاور ؟ لم نحظ منه جوابا ، وبين الحالتين يحدث زلزال في المخيلة فيتحول القلب الى ماكنة لانتج الجمال – انا الوردة الضائعة بين يديك والقمر –

هل صحيح ان روح الاديب مصنوعة من الهواء والزجاج ؟ ربما يقول قائل بانها مصنوعة من الكلمات التي تتولى اضاءة القلب ، ويقول شاعر – ها اني نسيت مظلتي في القلب ، كل هذه الاشياء التي لا تساوي شيئا نناسها في القلب حتى القلب ننساه في القلب –

وتبدأ اوديسا ترميم القلب بوساطة الكلمات التي تأخذ شكل قصيدة او شكل  قصة او شكل المنفى داخل  كيمياء الروح وكل ما يصطنعه الاديب هو استعادة لحظات داخل مستعمرة الوقت الضائع ، انه هذا العطب الذي يرتدي تارة معطف الشيخوخة المبكرة وتارة اخرى يرتدي معطف الطفولة وبين الحالتين يستهلك الاديب كمية كبيرة من الوقت الذي يصطدم بجدار الوعي البائس ويتكدس الوقت بالهواء او بالغبار ، لكن العودة الى الماضي ليست الا حالة لتوثيق الغبار – كنت اضع الكلام على الورق فيتحول الورق الى خراب ، وفي حالة شائعة لطائفة من الادباء يتحول القلب الى مضخة للخراب –

والمرأة في حالة القلب الثانية تصير ممرضة في مستشفى الحياة ، وهكذا يصرخ شاعر امتلأ فمه بالزجاج – وماذا عن هذا الغبار في روحي ؟ يجيبه اخر – اجل ، اجل ، تنمو المرأة في روحي مثلما تنمو الريح في الصحراء –

بول ايلوار تزوج ثلاث مرات وفي كل زوجة كتب مجموعة شعرية ، اما لوي اراغون فبقيت ايلسا تريوليه تلك المرأة الخرافية التي تمشط شعرها في ليل مملوء بالمرايا وضوء القمر ، اما في تراثنا الشعري فلعل عمر بن ابي ربيعة كان اول صديق للقمر وقد غنت اميرتنا فيروز –نحن والقمر جيران –

كما ترون انها رحلة مع القلب المعطوب ولكن الا تتفقون بان القلب يمكنه انتاج حكمة رائعة ؟  وهكذا تصبح للقلب حكمته التي انتجها عطب المرأة الاولى ، الم يقل وليم بطلر ييتس – من خصامنا مع الاخرين نصنع البلاغة ومن خصامنا مع انفسنا نصنع الشعر –

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة