بإنتظار المعجزة

د. علي شمخي

كل الدلائل تشير الى أن العراق مقبل على أجواء الشحن السياسي وسلوك الطريق الوعر في تشكيل الحكومة المقبلة … ولا نريد ان نستبق النتائج النهائية للإنتخابات إلا أن ما يترشح ويترشح من نتائج أولية يمكن أن يعيد سيناريو تشكيل الحكومة في الدورة السابقة وما تخلله من تجاذبات بين المكونات التي حصدت أصواتاً مكـّنتها من دخول قبة البرلمان وأدت الى تأخر تشكيل الحكومة وولادتها ولادة مشوهة وأداء هش تحت عناوين (المحاصصة) و (التوافق) ودفع ثمن ذلك رئيس الحكومة والحكومة نفسها والبرلمان والشعب العراقي بعامّته … ان تقارب نتائج الإقتراع بين الأحزاب والإئتلافات وعدم قدرة أي منها على الإنفراد وحده في تشكيل الحكومة يبعث برسالتين مهمتين الأولى تعني ان هناك فرصة لتوفير الأجواء وإتفاق الأحزاب والكتل على حكومة يشارك بها الجميع من دون تهميش ويتفق بها الجميع على الإستعانة بالكفاءات لتولي الحقائب الوزارية وبالتالي قطع الطريق على أية محاولات لتهميش الآخرين من الذين لم يتمكنوا من حصد الأصوات الكافية لتحقيق التوازن مع الكتل الأخرى والرسالة الثانية هي إمكانية تشكيل حكومة أغلبية بإئتلاف عدد من الأحزاب والكتل الفائزة وبقاء الآخرين في المعارضة وتوفير قاعدة لهذه المعارضة للعب دور مهم في البرلمان لترصين عمل هذه الحكومة ومنحها قوة أكبر من خلال المراقبة البرلمانية … ويمكن القول ان هاتين الرسالتين بحاجة الى معجزة لتحقيق مضمونهما من دون مشاحنات والتفافات ومن دون وضع العصي أمام الساعين لتحقيق النجاح فيهما .. وقد حملت إلينا الأخبار عن تحركات من يقتربون من هذا الإستحقاق بما لا يسر ولا يدعو للإطمئنان حيث تحرّك هؤلاء في باكورة تحركاتهم نحو دول جيران العراق بدلاً من المباشرة في الحوار الداخلي لترتيب البيت العراقي الجديد وإستنهض آخرون خطابات طائفية وقومية وإستبق آخرون النتائج لتهميش غرمائهم في الميدان من دون أن يدرك من هم مشاركون في هذه اللعبة الى أهمية إستخلاص الدروس والعبر من الإنتخابات السابقة وما أفرزتها من نتائج مشابهة أو مقاربة لنتائج اليوم وبالتالي بات من المهم والضروري أن لا يقع العراقيون في الخندق نفسه من التداعيات وفقدان الجهد والزمن وصولاً الى حلول ترضي الجميع .. إن أقل ما يمكن ان يقدمه الفائزون في هذه الإنتخابات الى الشعب العراقي هو إنتاج حكومة قوية قادرة على تلبية الإستحقاقات التي تنتظرها بأسرع وقت إكراماً لتضحيات هذا الشعب الذي يواصل تحديه في كل إنتخابات لأشكال من الإرهاب وملحقاته فهؤلاء الذين تحدوا التهديد بالقتل والذين لم يمنعهم إغراق المدن من الوصول الى صناديق الإقتراع وهؤلاء الذين تحملوا الإهانة وتجاوزوا سيئات الحكومة والبرلمان وتغاضوا عن المفسدين والسرّاق أملاً بتحقيق التغيير نحو الأفضل يستحقون اليوم من السياسيين أداءاً أفضل وإيثاراً وإكراماً ووفاءاً يليق بهذه التضحيات الجسام .. ولا يمكننا إلا أن نخاطب هؤلاء السياسيين بنداء الضمير ونخص منهم الحكماء والعقلاء ومن تتجلى فيهم الهمّة والغيرة العراقية ومن يمتلكون في الصميم حب العراق وأهله ونقول لهم (يسروا ولا تعسروا..!) ولا تجعلوا الحلول في العراق دائماً بإنتظار المعجزة …!!

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة