أمير الحلو*
في آب 1975 صدر أمر وزاري بتشكيل وفد برئاستي وعضوية موظفين من السياحة التي كانت مرتبطة بوزارة الثقافة والإعلام آنذاك للذهاب الى باريس والتباحث مع شركة (تنيه) الفرنسية بشأن مشروع بناء المدينة السياحية في الحبانية، وذهبت في اليوم التالي للإطلاع على أوليات المشروع فقيل لي أنها عند المهندستين آمال قندلفت ووجدان نعمان ماهر وهما معي في الوفد فزرت المهندسة آمال ورجوتها ذلك ولكنها لم ترحب بي بما فيه الكفاية على أساس أنني شخص (غريب عن السياحة) وإستنكرت أن يرأس الوفد موظف لا علاقة له بالمشروع، وقامت بفتح أحد الأدراج لتخرج مجموعة كبيرة من الأضابير ووضعتها أمامي وقالت انها الأوليات المطلوبة، فألقيت نظرة سريعة عليها فوجدتها مراسلات وخرائط باللغة الفرنسية التي لا أعرفها، فأدركت أنها تريد الإيقاع بي فقلت لها: صحيح أني غير مختص في السياحة ولكني سأكون مسؤولاً عن متابعة الأمور المالية والإدارية ومهمتي لا تتقاطع مع مسؤولياتك، وأن ثقتي عالية بك وزميلتك بأنكما ستدققان وتتابعان الأمور الهندسية الخاصة بالموضوع وأتعهد بأنني لن أتدخل في إختصاصكما وواجباتكما ولا أزج نفسي في أمور لا أفهمها، فكانت ملاحظتي هذه لإذابة الجليد بيننا فقد عرفت أني لست (حشرياً)، وبالفعل وصلنا الى الشركة في باريس وكانت المهندستان تتناقشان وتطلعان وتقترحان بما يخص المشروع بكل أمانة ومقدرة ولم أتدخل مطلقاً في ما يخصهما من واجبات. وبعد أن تنتهي جلسة اليوم كانت تطلعنا على معالم باريس التي تعرفها جيداً ومنها الآثارية والموسيقية والفنون التشكيلية وغيرها، وقد صادف أن يكون زوجها ألمهندس في أمانة بغداد (فهرام) موجوداً في باريس بمهمة رسمية ولكن مشكلته أنه يخاف من الكلاب حتى الوديعة والصغيرة المسالمة منها، وقد جرت العادة في باريس أن سائقة سيارة الأجرة تضع كلباً ضخماً الى جوارها ومهمته أن يراقب الركاب ويدير وجهه إليهم خشية من أية حركة (مشبوهة)، لذلك كان زوجها يرفض الركوب في أية سيارة تقودها إمرأة وعندما نقول له أنه مدرب ولا يعتدي على الركاب فكان يجيب ساخراً: ومن يضمن لي أنه سيعجب بي!
في يوم أحد وهو عطلة في فرنسا صحبنا أحد موظفي الشركة الى منطقة (نورمندي) المعروفة، وبعد أن تناولنا الغداء وجدنا أن الوقت مناسب للقيام بجولة في الغابة القريبة، وبعد أن قطعنا مسافة وكان الوقت عصراً خرجت علينا مجموعة من الكلاب الضخمة ولاحقتنا وشنت عدة غارات علينا، ولم يكن أمامنا سوى أن ننهزم وكانت المشكلة أننا لا نستطيع العودة الى مكان سكننا فقد قطعت الكلاب الطريق ولم نكن نعلم أين نحن لذلك مشينا في عمق الغابة حيث وجدنا قرية صغيرة، وإضطرت آمال الى طرق باب أحد البيوت الخشبية الجميلة فخرج رجل وشرحت له بالفرنسية موقفنا فقام الرجل وهو يضحك بإستضافتنا وقدم لنا التفاح والأعناب من حديقته ثم أخرج سيارته وطلب منا الركوب لإيصالنا ولكن المضحك أننا لا نعرف إسم مكان سكننا، فراح الرجل يعرج بسيارته على المناطق القريبة حتى إستطعنا الإستدلال على مكاننا ولكننا وجدنا مرافقنا الفرنسي قلقاً وهو لا يعرف ماذا سيقول للشركة عندما يقول لهم أن الوفد العراقي قد ضاع وبذلك سيتأخر إقرار المشروع !
ذكريات عشناها حتى أنني ما أزال أراسل المهندسة آمال في (المهجر) ونتذكر ما مر بنا بسبب زوجها الصديق الودود.