في “الحب عادة سيئة”
علوان السلمان
النص الشعري القصيرة جدًّا (نص الصورة)أو (النص الومضي)، النص الذي كانت ولادته نتيجة حتمية إثْرِ التحولات الحضارية والفكرية والأدبية ؛ فظهرَ استجابةً للإيقاع الزمني السريع للعصر الذي اختصر المسافات على كافة الأصعدة: الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية؛من خلال انتشار وهيمنة التقنيات الفنية ومنظوماتها المختلفة؛ من شبكات اتصال، وتواصل اجتماعي وثقافي، والأنترنيت، وحركة الترجمة…مما جعل عملية التواصل مشروطةً بالإيجاز والتكثيف والتركيز والحذف والاضمار والاختزال الجملي والاقتصاد بشتى صوره؛ نظرًا لضيق مديات الزمن.. إضافة إلى قيامه على عنصرَي الإدهاش الاسلوبي والمفارقة..
وباستحضار المجموعة الشعرية(الحب عادة سيئة) التي تضمنت تسعون نصا شعريا تجمعها وحدة موضوعية نسجت عوالمها بإتقان انامل منتجها الشاعر سالم سالم باتقان دقيق وتوظيف الفاظ موحية بعيدة عن الضبابية… واسهم الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق في نشرها وانتشارها/2022 ..كونها نصوص تتسم
بالقِصَر الذي يفرِض اكتفاءَها بذاتها، ومنحها نسقيَّة متفردة تبعد منتجها عن الإطناب والإسهاب في القول الشعري، مع قيامها على الوحدة العضوية، والتماسك اللغوي والدلالي.
(قيدوا اليدين / وعصبوا العينين / قالوا : اعترف /تركناك جلدا وعظما
كيف زاد وزنك / قلت سيدي: وجدت في الطريق / علبة لحم رماها / حارس كلب القصر /منتهية الصلاحية / فأكلتها من جوع / اذن انت سارق)
(شدو وثاقي / اجلسوني على الركبتين /قالوا: اعترف /بأن يديك أخفت / بسمة مستهزىء/ حينما مر موكب شيخ متخوم /يدعو الفقراء الصبر على الجوع / من اخبركم بهذا /وكلاء الله الصادقون / حسنا ارسلوني /الى الله لنسأله ؟9ص6
فالنص يتميز بالوحدة العضوية على مستوى المكان.. والدلالة الشعرية وهو يفتح
افقا جديدة متجاوزا المألوف وكاشفا عن موقف شعري صادر عن رؤية شعرية واعية تتماهى فيها الذات والذات الجمعي من اجل تحديد موقف احتجاجي طلبا للعدالة والمساواة.. وهذا لا يتحقق الا بتعضيد القصيدة بالعديد من التقنيات المعاصرة كالحوار وتعدد الأصوات وحضور النصوص الغائبة والحضور بوعي شعري ملتزم يقوم على تعزيز روافد بناء القصيدة رؤية وتشكيلا..
(اكتب…. لعينيك / وهي مشغولة بترتيب النجوم / حسب خارطة جسدك /ها..هنا قبلة /هناك لمسة يدك/ هنا قلبي يرقص معك / هناك همسك / يقول …. شفتاي / مشتعلة بالغياب /فهل…يمكنك / ان تحبني اكثر ..)ص29
(اليوم فقط شعرت / ان المطر قد صار عطرا /فصارحيني هل مددت يدك لتداعب الغيوم..أم / أن الغيوم تعطرت / بعطر انفاسك ) ص39
فالنص يعبر عن احساس شعوري او مشهد ومضي بلحظته البارقة..المتجاوزة لمحطات الذاكرة ليحقق في المخيلة وجوده المستفز للفكر المنتج لنصه المقتصد بالفاظه والموجز بجمله.. المتسم بخصوصيته التركيبية ووحدته العضوية مع ايحاء وتفرد في الالفاظ الموحية البعيدة عن التقعر والصور واللغة الرامزة والفكرة المنبثقة من بين مقطعياته الشعرية التي هي كيانات شعرية قائمة بذاتها (جسدها الايجاز والمفارقة روحها) على حد تعبير الشاعر الانكليزي كولردج…
حينما../ يأتي المغيب /كانت …أمي/ توزع قلبها /على طاولة العشاء / لاختي.. قمر / لاخي ..حلم /لي.. بسمة / وبقيت..في عينيها دمعة / لم .. تسقط / صرخنا جميعا لمن …هذه ؟ /قالت… لابيكم / حينما يعود من الحرب /ص17ـ ص18
فالنص يعتمد لغة يومية مكتنزة بعناصرها التي تشكل النص الشعري (العاطفة والفكرة والخيال والاسلوب..) والتي تحقق فاعليتها المتفجرة ومعانيها الدالة وصورها التي هي اساس الخلق الشعري والكون الجمالي الذي يتشكل من جزئيات المدركات الحسية وتشخيص المعاني.. فضلا عن تميزها بالتكثيف والايجاز وقصر العبارة المحققة لتقنية الانزياح..
انا لك ياوطني /فمزقني كما تشاء / اجمعني كما تشاء / اسقطني مطرا /من الحرية /فأنا لك هواء ) ص50
(لا تصدقي العصفور / عندما أخبرك /انني أراقبك /كل صباح عن بعد / أنت تسقين الحب /فأنه جاسوس /ينقل أخبارك…الى قلبي..) ص57
فالمنتج(الشاعر) يشتغل على اللحظة الشعرية التي تحفل بالهاجس الصوري..كي ينتج نصا بصريا اكثر مما هو تجريدي او ذهني فيعمل بقصدية الاثارة لمعنى قد يبدو عاديا لكن القدرة التركيبية للصورة تمنحه معنى محلقا في فضاء حالم .. يكشف عن براعة المنتج ( الشاعر) وقدرته على توظيف الاختزال والبراعة في التقاط الصور التي ينطوي عليها ما هو يومي ومسكوت عنه ليضعه بانفعال شعري في اطار صور تعبيرية تحفل بالمفارقة وتعمق الاحساس بها ..
وبذلك قدم المنتج نصوصا احادية الصوت بعيدا عن الاستغراق في التصعيد والتداعي الذاتي والموضوعي مع الاختزال في التساؤلات والأوصاف والحركات والشخوص مع تكثيف سردية النص التي تقوم على التقطيع التركيبي والوصل الدلالي(المونتاجي) بنسج تشكيلة من الالتقاطات الدالة باشاراته الكاشفة والمعاني المنبثقة من الوعي الشعري واستدلالاته بتداخل المعرفي والجمالي في سياق شعري بعيد عن الاستطراد الوصفي..