وداد إبراهيم
حين أذكر اسمه، أشعر بالبرد والدفء معًا، وأشعر بالحميمية مع عائلتي التي كانت تجتمع حول موقد الفحم “المنقلة”، ورائحة الشاي تتصاعد، بينما تتقافز حبات الكستناء مع ضحكات شقيقاتي. ورغم سخونتها، نزيح القشر ونستخرج اللب الأبيض الذي يكاد يصفر من حرارة الفحم. وما هي إلا لحظات حتى نلتهم كل ما قد تم شواؤه على حرارة الفحم. صديقتي، ومنذ بداية هذا الشهر، تستعد لأعياد الميلاد، وأنا أشاركها في شراء الملابس والاحتفال معها على وجبة طعام شهية ودسمة، وهي تعتبر أن هذا العيد للجميع. لذا، فلا ينقضي العيد إلا لنستعد معًا لأعياد رأس السنة الميلادي.
هكذا تحدثت لنا السيدة نهى العساف عن ذكريات الشهر الأخير من العام.
أم محمد قالت: “في هذا الشهر، أشعر أن العام قد انتهى، وعلينا أن نستعد لعام جديد. وفي هذا الشهر، الذي يتصف بقصر النهار وطول الليل، يطيب لنا الجلوس في البيت والاجتماع مع العائلة حول الموقد النفطي. تتصاعد رائحة الخبز المحمص الذي نضعه على شبكة معدنية فوق المدفأة النفطية. وفيه فرصة للباعة المتجولين لبيع الشلغم مع الدبس وعربات الحمص المسلوق والباقلاء، فيما تتربع على عرش الشوربات ‘حامض شلغم’، التي تحتوي على أصناف عدة من المواد الغذائية التي تمنحنا الدفء والطاقة”.
إنه كانون الأول، العد الأخير لنهاية العام، وفي هذا الشهر الكثير من المناسبات الدينية مثل أعياد المسيح وعيد رأس السنة الميلادية. يعم الاحتفال في عموم مناطق بغداد، وتوضع الزينة في البيوت والكثير من الشوارع. نعم، أحب هذا الشهر.
يُعد شهر كانون الأول من أشهر الأشهر الميلادية، وتعود تسمية “كانون الأول” إلى اللغة السريانية، حيث تعني كلمة “كانون” الثبات والاستقرار، وهو ما يتوافق مع طبيعة الشهر الذي يشهد برد الشتاء واستقرار العائلات في منازلها.
في اللاتينية، يُسمى الشهر “ديسمبر”، وهي كلمة مشتقة من “Decem” وتعني “عشرة”، لأن ديسمبر كان الشهر العاشر في التقويم الروماني القديم قبل إضافة شهري يناير وفبراير.
أما في اللغة العربية، فالتسمية “كانون الأول” تعكس جذورًا قديمة في المشرق العربي، وتشير إلى بداية الشتاء، حيث يتجه الناس للدفء والراحة، أي “كن” وابق في مكانك.
يُعد كانون الأول من الأشهر المحبوبة لدى العديد من الشعوب حول العالم، وذلك لعدة أسباب؛ منها أنه يشهد احتفالات دينية هامة، مثل عيد الميلاد المجيد (الكريسماس) لدى المسيحيين، حيث يمثل ولادة السيد المسيح عليه السلام. تبدأ الاستعدادات لهذه المناسبة بتزيين المنازل والشوارع بالأضواء والأشجار المزينة. كما يعد شهرًا محوريًا نفسيًا واجتماعيًا؛ فهو فرصة للتأمل في الإنجازات والإخفاقات، ووقت لتقدير اللحظات السعيدة التي مضت.
يحمل الشهر طابعًا اجتماعيًا قويًا، حيث تجتمع العائلات والأصدقاء في مناسبات خاصة، مما يعزز الروابط الاجتماعية. كذلك، يُشكل الموسم فترةً لإظهار التعاطف والمساعدة، حيث تكثر حملات التبرعات والأنشطة الخيرية، خاصة في المجتمعات التي تحتفل بعيد الميلاد.
ويُعد موسم الأعياد من المواسم المهمة اقتصاديًا؛ حيث تزدهر الأسواق وتزداد حركة التسوق. كما يُعد وقتًا مميزًا للسياحة الشتوية. الشعوب الأوروبية تعتبره موسمًا ساحرًا بسبب أجواء الشتاء واحتفالات عيد الميلاد، بينما في الكثير من دول الشرق الأوسط يرتبط هذا الشهر بالطقس البارد الجميل واللحظات العائلية الدافئة.
كانون الأول شهر الأمنيات والذكريات
التعليقات مغلقة