وداد إبراهيم
يتعجب الأستاذ “أحمد علي”، مدير إحدى المدارس المتوسطة، من الأعداد التي أرسلتها له المدرسة الابتدائية، إذ أشارت إلى أنه سيستقبل أكثر من 90 طالباً ناجحاً من الصف السادس الابتدائي إلى الصف الأول المتوسط. لكن مع بداية العام الدراسي الحالي، لم يلتحق بالمدرسة المتوسطة سوى حوالي 40 طالباً، أي أن هناك نسبة 50% لم يلتحقوا. يحدث هذا أيضاً في مدارس البنات، إذ تعتبر بعض العائلات أن إتمام المرحلة الابتدائية كافٍ للفتاة لتعلم القراءة والكتابة، ما يجعلها مؤهلة للزواج.
وفي هذا السياق يقول أحمد علي: “هذه ليست المرة الأولى؛ ففي كل عام أجد أن عدد الملتحقين بالدراسة أقل من العدد المرسل من المدرسة الابتدائية. السبب يعود إلى أن بعض الآباء يجبرون أبناءهم على العمل في بيع الماء والشاي، أو مرافقتهم في العمل، خصوصاً في المهن الحرة مثل الحِدادة والنجارة والميكانيك، معتقدين أن تعلم مهنة سيكون مفيداً لهم. كما أن عدم تفعيل نظام التعليم الإلزامي يشجع هؤلاء على ترك المدرسة والانخراط في العمل مبكراً، إضافة إلى الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب للعوائل”.
وتقول السيدة نبراس جاسم، معلمة ابتدائية: “يتسرب من المدارس الابتدائية عدد كبير من الطلبة. بعضهم يصطدم بالمناهج الصعبة، وهناك أيضاً إهمال من الأهل وعدم تشجيع الطفل على الدراسة، مما يجعله يشعر بالدونية مقارنةً بغيره، ويتحجج بالمرض أو عدم التحضير حتى يترك المدرسة دون أي محاسبة من الأهل أو المدرسة، لأن نظام التعليم الإلزامي لم يعد مفعلاً كما كان خلال التسعينيات وحتى عام 2002، حين كان يُستدعى الأهل إذا تغيب الطفل، ويوقعون تعهداً بعودة الطفل، وإلا يعرض الأب للمساءلة القانونية. لكن الآن، القانون غير مفعل”.
ومن المعروف أن هناك ارتفاعاً في نسب تسرب التلاميذ من المدارس، خاصةً في المرحلة الابتدائية. وتعد هذه الظاهرة من أبرز التحديات التي تواجه النظام التعليمي في البلاد، لما لها من آثار سلبية على مستقبل الأجيال والتنمية المجتمعية.
ووفقاً لآخر إحصائيات وزارة التربية العراقية، تظهر البيانات زيادة مقلقة في معدلات التسرب، حيث تشير الإحصاءات إلى أن نسبة التلاميذ الذين يغادرون المدرسة قبل إكمال المرحلة قد ارتفعت خلال العام الدراسي الماضي، مع تباين في الأرقام بين المحافظات. وتأتي محافظات مثل نينوى، البصرة، وبغداد في مقدمة المناطق التي تشهد أعلى نسب للتسرب.
ويرى عدد من المهتمين بالشأن التربوي أن من أهم أسباب التسرب الظروف الاقتصادية التي تواجهها الأسر ذات الدخل المحدود، والتي تعاني من صعوبة في توفير احتياجات التعليم الأساسية، مما يدفع بعض الأهالي إلى سحب أبنائهم من المدرسة لدعم الأسرة مالياً. كما أن العديد من المدارس، خاصةً في المناطق النائية، تعاني من نقص في الكوادر التعليمية والبنية التحتية المناسبة، مما يدفع الأطفال للعزوف عن الاستمرار في الدراسة.
وتلعب بعض العادات الاجتماعية دوراً في تقليل فرص التعليم للفتيات، حيث تفضل بعض العائلات تزويج الفتيات في سن مبكرة بدلاً من مواصلة تعليمهن.