سلام مكي
كلما تقدم الزمن، كلما تطورت وسائل النصب والاحتيال، وتفنن النصابون في أساليب النصب على بسطاء الناس والسذّج، والذين يمارسون هذه المهنة التي تفتقر الى أبسط مقومات الأخلاق، وتكشف عن نفس دنيئة، وخالية من أية قيم دينية أو أخلاقية، يسعون الى ابتكار أساليب جديدة، غير مطروقة سابقا، والهدف منها هو كسب ثقة الضحية، وبالتالي، سهولة استحصال مبالغ مالية منه. آخر تلك الأساليب الدنيئة، هي قيام مجموعة من الأشخاص باستئجار شقة أو دار سكني، حيث يجلب النصّاب عائلته بأكملها للسكن في دار أو شقة، فيقوم بإعطاء صاحب العقار مبلغا من المال كمقدمة لشهرين أو أكثر، وبعد أن تنقضي تلك المدة، يمتنع عن تسديد بدلات الإيجار، عندها يلجأ صاحب الملك الى القانون، بوصفها الوسيلة الوحيدة التي تمكنه من طرد ذلك المؤجر، ولأن القانون العراقي، لم يعد هذه الحالة جريمة، أو لم يعط لها أبعادا جزائية، فيضطر المالك الى اللجوء الى محكمة البداءة لإقامة دعوى إخلاء. ولطبيعة الإجراءات القضائية التي تستلزم وقتا طويلا، من تأجيلات تتخللها كشف للدار وتقديم دفوع وتأجيل لأسباب خاصة بالمحامي أو الخصم بنفسه، والاعتراض على تقارير الخبراء، وعندما يكسب صاحب العقار الدعوى في مرحلة البداءة، يلجأ المحتال الى استئناف القرار، ومن ثم تمييزه، وتصحيحه، وعندما تنتهي جميع طرق الطعن، ويتحول القرار الى التنفيذ، هنا تبدأ رحلة جديدة مع تبليغ المدين/ المؤجر، وامتناعه عن التوقيع وتبليغه مرة أخرى، ثم مفاتحة الجهات المختصة من شرطة وبلدية وغيرها لتشكيل لجنة لرفع التجاوز. كل تلك الإجراءات قد تستغرق وقتا يتجاوز ثمانية أشهر، وكل هذه المدة وصاحب العقار لا يمكنه التحدث مع المستأجر، لأن أي كلام أو تصرف، يمكن أن يتحول الى قضية جزائية، وعندها عليه أن يقدم تنازلات أخرى لكي يتنازل عنه. وعندما تحين لحظة الاخلاء، يتفاجأ صاحب العقار بأن الدار خالِ، وأن المستأجر، انتقل مع عائلته الى مكان مجهول!!
هذه الظاهرة وللأسف، انتشرت وبشكل لافت، والسبب هو انعدام القيم والمبادئ، إضافة الى غياب الرادع القانوني الذي يستدعي خوفا من العقوبات التي يتعرض لها من يقوم بمثل تلك الأفعال، فلو أن القانون، جرّم من يمتنع عن إعطاء بدلات الايجار، أو الذي يمتنع عن إخلاء الدار لهذا السبب، سوف يضطر المستأجر الى إعطاء الايجار في وقته المحدد، لكن علمه بأن القانون، لا يتضمن تجريما لفعله، وأن بقاءه في الدار المؤجرة، رغم عدم تسديد بدلات الايجار، تعد قضية مدنية، خالية من العنصر الجزائي.