تفاعل الطبيعة البشرية مع تطورات العصر الحديث
متابعة ـ الصباح الجديد:
صدر للباحث الدكتور (عدنان داود) كتاباً، عنونه بـ [العالم يحتضر/ تفاعل الطبيعة البشرية مع تطورات العصر الحديث]، تناول فيه موضوعة تمس مستقبل الحياة البشرية على كوكبنا الأخضر، وقد طرح فيه رؤى لمفكرين وفلاسفة انشغلوا بما يتهدد الوجود الانساني، ويتسبب له بالانقراض، وقد ناقش الدكتور الأفكار المختلفة في هذا المسار، ولم يكن متزمتاً أو منحازاً لطروحات دون أخرى..
تمهيد
يرى الباحث أن فكرة الانهيار لم تعُدْ محصورة في مجتمع معين، أو ثقافة بعينها، فلم تعد التقسيمات الجغرافية دالّة على خصوصية، وكذلك تراجعت أهمية البعد التاريخي أمام موجة العولمة، بل تعدّاها إلى أزمة وجودية تعلن صراحة التشظي الطاحن الذي يعيشه الإنسان، ونتيجة لهذا الربط القهري الذي ربط المجتمعات بسبب شبكات التواصل التي جعلت اختلاف المجتمعات ما هو إلّا تلوّن سطحي يخفي في بنيته العميقة أواصر ربط تقوم على عولمة تسعى إلى إذابة مستمرة وتقويض للمراكز، وترك المجال لمنظمات طفيلية ترسي سفنها أينما تشاء وكيفما تشاء.
أفكار ورؤى
يتحدّث العلماء كثيرا في في العصر الحديث عن خطر إفساد الكوكب، وعن تدنّي الثقافات وغلبة الصفة التدميرية في البشر، والبشر لا ينتجون ما يدعم البقاء؛ لأنّ ما وصلوا إليه في ميدان العلم والاكتشاف يفوق قدرتهم على تحمّله، ويفوق قدرتهم على توظيفه إنسانيّا.
وحجم الضرر لن يتقيّد برقعة جغرافية محدّدة، بل سيتسع ليشمل العالم، إذًا، لا يمكن أنْ نستبعد الخطر ونحن نعيش كلّ يوم في نزاعات جديدة من الثقافة إلى المعتقد.
يبدو أن شبح الزوال المحتوم يحوم فوق رؤوسنا في كلّ الأزمان، نتلقاه بين حين وآخر بسينارو مختلف، في الواقع ليس بالأمر الجديد أن نتوقع نهايتنا ونتحدث عن حتمية زوالنا، إنه غاية محتومة، سواء من وجهة نظر الأديان أم على وفق رؤية متخصصي الكونيات، لكن الخطر يكمن في أنّ مسبّبات الزوال تتضح في سببين، أحدهما التطور الهائل الذي حدث في قفزة العلوم التكنولوجية، والآخر يكمن في التيارات الآيدلوجية التي يصفها بالعواصف التي غيّرت حياة الجنس البشري عامّة
إنّ غلبة الصفة التدميرية في الإنسان، وتسنّم الحمقى النفعيين زمام السلطة، وتطوّر العلوم البايلوجية، والتكنلوجبة التي تركّز في كثير من أبحاثها على كيفية إخضاع البشر وتوجيههم، كلها بشكل أو بآخر تكتب نهاية روايتنا في البقاء.
وكلما زاد التطور زاد شبح زوالنا وضوحا، نعرف جيدا أننا في لحظات غضب عابرة قد نفسد كثيرا من علاقاتنا الاجتماعية، أو قد نعرض أنفسنا للهلاك، لكن ماذا سيحدث لو أنّ لحظات الغضب هذه رافقها سلاح متطوّر مدمّر، كما يوفره العلم الآن، من المؤكّد حينها لن تتوفر لنا فرصة العزلة لمراجعة أخطائنا؛ لأننا سندمّر كلّ شيء معنا.
يتوقّع الكاتب أنّ العالم سيشهد لحظات تاريخية متتالية من شأنها أن تعيد تشكيل الواقع جذريّا، من شأنها أن تختبر طبيعتنا البشرية اختبارا صادما عنيفا قد ينتهي الأمر بزوالنا، أو بسلبنا الخصائص التي تجعلنا بشرا بالمعنى الذي نتعامل معه الآن. هل سياتي هذا اليوم فعلا؟ هل سيحاسبنا الله بغرورنا؛ لأننا اعتقدنا أننا ملكنا الطبيعة، وتحكمنا بمقدّراتها على نحو بغيض، وتدخلنا بمحظورات لم يكن من المقدر أن نعبث بها؟
وينظر الكاتب إلى التفاهة على أنها أحدث ما يبرع به البشر بامتياز، وخاصة في مؤسسات الدولة ومتسيّدي السلطة، إنما أنظر إليها على أنها نموذج اجتماعي يسهم في تدعيم الصفة التدميرية للطبيعة البشرية، إنه نموذج يسرّع من إفساد الوضع، ومن الوصول إلى نهايتنا المتوقعة، نهايتنا الوشيكة، المسألة هنا مسألة وقت فقط. لك أن تلاحظ بوضوح أن كلّ جيل يقضي يأخذ معه مزايا معينة، فلتمعن النظر بمن حولك وتفحّص من هم في هرم المسؤولية وتفحص صفاتهم تجدهم على قدر كاف من الفساد والحمق، وشُح ببصرك إلى المهمشين، وإلى من يجلسون في الزاوية، أو من يقفون في أخر الصف، ستجد حتما مهارات مبعدة وإمكانات فريدة، وقلوبا ملأى بالنوايا الحسنة.
إن الآيدلوجيات المتناحرة ومحاولات الدفاع عنها، وتقلب الاقتصاد العالمي، وتعالي الأبواق السياسية، وتنفذ اتباعها، كلّ هذه التداعيات تكاد ترفع القناع عن أوجه البشر لتظهر على حقيقتها في كونهم آلة للتدمير والخراب، منفعتهم ومصالحهم على رأس الهرم دوما، وكلّ الدعوات التي تنادي بالسلام، والأمن سواء من الأنظمة المدنية، أو المعتقدات لم تكن إلا غطاء تُمرّر تحته المآرب.
وتسبّب ظاهرة شخصنة الأفكار على نطاق أوسع صراعات مديدة وحروبا طاحنة، تذكر جيدا نتائج الخلاف بين الحكومات والجماعات والإسلامية، ونذكر أيضا نتائج الخلاف بين الشيوعية والرأسمالية، وبين والوجودية والجماعات الموحدة، على أن تفشّي تلك الظاهرة نما تحت ظلّ الأغلبية الصامتة، ربما هذا ما تفرضه طبيعة المجتمع الحديث، وقساوة مواكبته.
يبدو لوهلة أننا أمام مشروع إصلاحي بحت، قد يكون كذلك فعلا إذا ما لمسنا بعض النتائج، لنفترض أنها تحققت فعلا، لنفترض أن هذا المشروع حقّق الترف والتعليم، والضمان الاجتماعي وتأمين الحياة، عندها هل ينجو المجتمع من حالة الاستبعاد؟ الحقيقة أنه سينغرس فيه أكثر، لأنّ الترف وتأمين الحياة، وإطلاق الحريات بكلّ أشكالها لايؤدي لسوى زيادة نسبة التخدير، وزيادة إيكال المجتمعات لسلطاتها، ان السلطات تعمل على رفاهية شعوبها، ساعية من وراء ذلك لإحكام القبضة على المجتمع، فالعَظْمة بيدها تلوّح بها أحيانا، وأحيانا ترميها، وأحيانا أخرى تستردّها.
يرى الباحث أن مفهوم الاستبعاد الاجتماعي انحرف عن مفهومه في كونه محاولة إصلاح النسيج الاجتماعي، وجعله وحدة متماسكة، إلى اقصاء المجتمعات وإلهائها عمّا يدور في كواليس السلطة، وتهيامها في أمور حياتية كفيلة لتحقيق الغرض.
الخاتمة
وفي ختام الرحلة المنوعة في عقول المفكرين يخلص الباحث إلى أن الحديث عن نهاية وشيكة تهدّد الجنس البشري أصبح هاجساً تتلقاه الثقافة العالمية بأشكال وصور متباينة، إلا أنه ممّا لا شك فيه أن حضوره صار واقعا ملموسا أجبر العلماء على اختلاف تخصصاتهم السياسيّة والاقتصادية والبايلوجية أن يقدموا سيناريو محدّدا لهذه النهاية، لم تعد فكرة هذا الموضوع حكرا على ذوي التخصصات الذين يجهدون أيّما جهد في البحث عن الأدلة تحذيرا ممّا ستؤول إليه الأمور، لم يعد هو كذلك قطعا، فقد نجحت هوليوود في تقديم الموضوع بصورة شائقة، واتخذ الروائيّون منه أنموذجاً معاصراً في تصوير المستقبل.
*العالم يحتضر (تفاعل الطبيعة البشرية مع تطورات العصر الحديث) ، د. عدنان داود، فضاءات الفن النشر والتوزيع، بغداد، 2022م.