في تسعينات القرن الماضي أقامت مجلة الف باء ( دورة لغوية) لبعض محرريها ، وقد كلفني أستاذي وصديقي الراحل امير الحلو رحمه الله ، وهو يومها رئيس تحرير المجلة ، كما كلف المشرف اللغوي في الف باء استاذي وصديقي الراحل تركي كاظم جودة رحمه الله ، بأن يتولى كل واحد منا القاء محاضرات على مجموعة من الزملاء المحررين ، وقد حاولت الاعتذار ما وسعني ذلك ، لكوني اقل شأناً من طبيعة هذه المهمة ، ودرايتي بعلوم اللغة العربية لايعتد بها ، ولكن من دون جدوى .
بدأنا الدورة من دون ( منهج) ، ورحنا ( المشرف اللغوي وأنا ) نجتهد في اختيار ( مفردات المنهج ) ، وكنت قد اخترت لمحاضراتي بعض موضوعات (النحو) التي يحتاجها المحرر اكثر من غيرها وتكثر فيها اخطاؤه عبر ملاحظاتي مثل ( الاعداد والتوكيد والنواصب والجوازم) وبعض الاشكالات في مادة الاملاء ، خاصة ( كتابة الهمزة) التي كنا جميعاً بلا استثناء ضحايا متاعبها الكثيرة !! لعل مفردة ( هيأة – او – هيئة) كانت احدى الاشكالات الاملائية في موضوعة (الهمزة)، واذكر حين سألني احد الزملاء المحررين عن الاصوب في كتابتها ، قلت له ( الصورتان صحيحتان) وشرحت بأختصار بعض (قواعد) كتابة ( الهمزة المفتوحة) ، واذا لم اكن – وقد اشتعل الرأس تعباً- قد نسيت تلك القواعد ، فقد اوضحت له ان القواعد الاملائية لهذه الكلمة تفيد بأنها تكتب على الف ، مثل ( مسألة – نشأة – هيأة ) وشرحت له تفاصيل الحالة التي لايتسع المجال للحديث عنها .. اما كتابتها على هذا النحو (هيئة) فالقضية يطول شرحها ، ولم اشأ اتعاب رأسي وإتعابهم ، وقلت بما يشبه الملاطفة ( الشكلان صحيحان ..اختر مايعجبك !!) ، ثم ابديت وجهة نظر متواضعة من مفردة ( مائة) و (مئة) فانا لااكتبها بالصيغة الاولى لو انقلبت السماء على الارض ، لانها لا يمكن ان تنطق ، مع ان اصل كتابتها القديم هو (مائة) وكان معلمونا في المدرسة الابتدائية قد حفظونا هذه القاعدة الغريبة [ تكتب مائة وتلفظ مئة ] ، وهو امر غريب .. اما انا فمنذ ستين سنة اكتبها (مئة) استجابة للمنطق وقواعد الاملاء ..
حكاية (الهيأة) وصلت عبر احدى بناتي المحررات في المجلة ، الى استاذنا الكبير وشيخنا الجليل جلال الحنفي رحمه الله ، وتشاء المصادفة ان التقيه يومأً فاذا به منفعل ويدعوني الى الاعتذار عن الخطأ الجسيم في ( تعليم الصحفيين المساكين ان الهيئة تكتب على الف ) ثم تحدث طويلاُ عن كلمة ( هيئة) وان (أصلها) هييه ، وتمّ تخفيف اللفظ بإبدال إحدى (الياءين) الى همزة و .. و.. وكنت احتراماً لمنزلته العلمية التي تستحق عظيم الاحترام اهز رأسي تأييداً واكتفيت بممازحته [ شيخ .. الهيئه مالتك بت اصل وفصل ونسب وعشيره … والهيأة مالتي لايعرف لها اصل ولافصل ] وضحك رحمه الله و … وما زلت متمسكاً بهمزة الهيأة على الف ، وفي اعماقي قناعة تقول : لاشيء اتعب لغتنا وصعّب فهمها غير (شواذ) النحو ومدارس النحو و (أصل الاملاء ) وعشيرته وحسبه ونسبه …
حسن العاني