القِطَّةُ التي في المَساءِ الغَميقْ

صادق الطريحي

في الصَّباح الجديد
في مَحلَّةٍ ما في السَّواد العَظيم
في شارعِ الكَوّاز
حيثُ بَيتُ الصَّانعِ القَديم
تبحثُ القِططُ الصّغارُ عن لُغةٍ ما
لُغةٌ ملأَى بكلماتِ الخُبزِ، واللحمِ
ومجازاتِ الأمطارِ
ومترادفِ الطّينْ
لُغةٌ تأوي إليها في السَّرّاء، والضَّرّاء
وتأكلُ من يدِ أطفالِها الفقراء
ما تيسَّرَ من الصَّدقاتِ أو النّذورْ
وإذْ يُعلنُ الآخرونَ الحربَ في المساءِ الغميقْ
يُعلنون الحربَ بلُغةٍ ما
لُغةٍ ملأى بكلماتِ السَّيفِ، والرُّعبِ
ومجازاتِ الحديدِ
ومترادفِ النَّعيمْ
سَرعانَ ما يختفي الأطفالُ من شارعِ الكَوّاز
يَختفونَ من هُنا أيضًا
وتهربُ القططُ الصّغار
إلى بيتِ الصَّانعِ القديم
حيثُ المترجمةُ، السَّيدةُ البتولْ
تنتظرُ الأطفالَ
وتَعُدُّ لَحمَ طيرٍ مِمّا يَشتهُون.
×××
للقِطَّةِ في اللُّغَةِ الأولى سَبعةُ أرواح
لا تَموتُ إذا سَقطتْ من سطحِ البيتِ
إلى أرضيةِ زُقاقٍ ضَيّقٍ في مَحلَّةِ الجامِعَيْن
لا تَموتُ إذا داسَتها سيَّارةٌ ذاهبةٌ إلى شارعِ الموكبِ
لا تَموتُ إذا سَقطَ عليها جدارٌ يُريدُ أنْ ينقضَّ، ولا كنزَ تحتَهُ
لا تَموتُ إذا حاصَرتْها الحربُ
فلا هي أطعَمَتْهَا، ولا هي تركتْهَا تأكُلُ من القُمامَةِ
لا تَموتُ إذا أصابَها الكاتمُ المسلولُ بالخَطأ المُبينْ
لا تَموتُ إذا تَهجَّرَ أهلُ البيت،
البيتِ الذي تنامُ فيه
لكنّها تَموتُ،
وتَموتُ، …
تَموتُ
في اللحظةِ التي لا يصلُ الدّواءُ فيها
إلى طفلةٍ مُصابةٍ بالسّكريّ!!
×××
للقِطَّةِ سَبعةُ ألوانٍ في اللُّغَةِ الدّارجةِ
الأسودُ هيَ الجنّيُّ الذي يُخيفُنا
في المَغربِ، في آخرِ الزُّقاق
والقِطَّةُ البيضاءُ، هي العَروسُ بعد انتهاءِ الحرب
والقِطَّةُ التي تنامُ قربَ أمّي
هي القِطَّةُ الصّفراءُ،
أو الطّفلةُ الكسولُ في بيتنا الصَّغير
والقِطَّةُ الرّماديّةُ القَصواء،
هي القِطَّةُ التي في بيتِ الصَّانعِ القديم
هي القِطَّةُ التي تَشربُ اللبنَّ الذي لمْ يَتغيّرْ طَعْمُهُ
مع الملائكةِ الأطفالِ في الصَّباح
أمّا القِطَّةُ الإله..
آلهةُ الحُبّ والحنانِ عندَ الفراعنةِ الكرام
فليستْ عندنا الآن
وثمّةَ قِطَّةً مُلوّنةٌ بالأسودِ والأبيضِ..
على حائطكِم العالي، سيّدَتي
ربّما تَنْتظرُ قطعةَ لحمٍ طازَجٍ من يَديكِ!
لكنّني نَسَيْتُ لونَ القِطَّةِ الأخيرةِ
القِطَّةُ التي احترقتْ في المستشفى..
في التّويثةِ، في المَساءِ الغَميقْ!!!