وشم الطائر و نداء السرد

منتهى عمران

الشاعرة دنيا تتخلى عن صفتها كشاعرة اصدرت العديد من المجاميع الشعرية وتذهب نحو السرد خالصا تماما فهي تنقل لنا قصصا واقعية كانت قد وثقت الكثير منها في كتابها الوثائقي ( في سوق السبايا ) عن سبايا داعش إذ شدت الرحال من محل إقامتها في الولايات المتحدة الأمريكية إلى موقع الأحداث في شمال العراق ولقاءها المباشر مع السبايا المخطوفات اللواتي تخلصن من الأسر بطريقة وأخرى.. وقد صرحت دنيا ميخائيل أن نداء كان يلازمها يدعوها لكتابة هذه الرواية بعد الانتهاء من كتابها الوثائقي ولم تستطع مقاومته فقررت كتابة رواية وشم الطائر. لقد كانت دنيا مهمومة بمأساة الأقلية الايزيدية وما جرى عليها من تنظيم داعش ولم تكن تفكر بتقديم نفسها كروائية بل كان لها هدف محدد هو إيصال مظلومية هذه الأقلية إلى العالم بكل صدق ودون محاولات لحرفنة تجربة سردية جديدة في عالم السرد وخصوصا أنها روايتها الأولى وقد صرحت أيضا أنها لا تدري إن كانت ستعيد التجربة أو لا.. اتخذت دنيا دور الراوي العليم فراحت تسرد حكاية بطلتها هيلين السبية .. هي حكاية ليست غريبة سمعنا وشاهدنا تفاصيلها والكثير غيرها عبر القنوات والمواقع الإلكترونية طيلة فترة احتلال داعش لمدينة الموصل وحتى تحريرها.

لكنها وثقت الحكاية ما قبل الاحتلال ونقلت لنا صورا عن طبيعة الحياة بتفاصيلها الصغيرة في قرية (حليقي) عند أعلى الجبل وعن عاداتهم وتقاليدهم وطريقة معيشتهم وقد كنا نجهلها تماما.. لقد غلب عنصر التوثيق بطريقة السرد على عموم الرواية وهذا كان هدفا مهما ومطلوبا نحن بأمس الحاجة إليه لتكتمل الصورة عند القارئ.

من خلال قراءاتي للعديد من الروايات التي كتبتها النساء أكاد اجزم أن الهدف الأول لهن هو إيصال قضية مهمة للرأي العام تخص الإنسانية عامة وغالبا تنتفي الذاتية في السرد على عكس الشعر الذي تميل فيه النساء إلى الذاتية التي تكاد تكون محضة رغم أن الهم النسوي مشترك في العموم.

هذا ما نجده تماما في رواية (وشم الطائر ) العنوان الذي استمدته من وشم وضعه الثنائي العاشق هيلين والياس على بنصريهما ليكون بديلا لخاتم الزواج والطير هنا كان محورا لقصة الحب التي كانت بين البطلين. اشتغلت دنيا ميخائيل على سياقين متناقضين لتحقق هدفها من كتابة الرواية السياق الأول هو الحب والطبيعة والنقاء والفطرة والسياق الثاني هو العكس تماما الاحتلال والقتل والهدم والاغتصاب. ما يحسب لدنيا أنها لم تكن متطرفة في عرض السياقين بل كانت معتدلة تماما حتى أنها اظهرت مساوئ وحسنات عند بعض الأفراد من الطرفين فكانت معقولة في طرحها. كما أنها ركزت على الجانب الإنساني أكثر من الجانب الفكري والعقائدي أو الديني فلم تناقش أو تطرح آراءها أو وجهة نظرها الشخصية أو حتى موقفها مما يحدث واكتفت بعرض الأحداث والحكايات كما هي وطرحت بعض الأسئلة على لسان الشخصيات التي جنبتها المثالية وطرحتها بواقعية مقنعة كبشر خطائين يتنازعهم الخير والشر بذات الوقت فكانت مقنعة تماما للقارئ. وربما لأن الحكاية والأحداث بواقعيتها لا تحتاج من الكاتبة أن تفعل غير ذلك فهي كفيلة بأن تجعل القارئ يتخذ موقفا إزاء ما حدث. لقد نجحت دنيا في مسك زمام حبكة الرواية بكل بساطة واريحية ودون تعقيد. وتعد هذه الرواية وثيقة مهمة للأجيال القادمة لتتعرف من خلالها على ما جرى في فترة زمنية مهمة وكذلك للعالم الذي يجهل الحقائق كما هي عن منطقة منسية من الإعلام.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة