سوق حنون يلفظ أنفاسه الاخيرة

وداد إبراهيم  

مرقد الشيخ اسحاق في سوق حنون

سكن في سوق حنون العلامة (جلال الحنفي) وبطل كمال الاجسام (عباس الهنداوي) والملحن (عباس جميل) و(كرجي فلفل) ملحن اغنية (انا من اكولن اه) و(خضير أبو العصافير) من اشقياء بغداد. يقع سوق حنون التراثي بين قنبر علي والشورجة فيما يحفه عكد التوراة بأزقته جنوبا. يحتوي على بيوت صغيرة بطابق او طابقين تتزين بشناشيل توحي بسقوطها في أي لحظة، لأنها اهملت ولم ترمم على مدار سنوات عدة. تراث يلفظ أنفاسه الأخيرة.

 عودة عباس العقابي اقدم الساكنين يقول: “توارثت عن اجدادي مهنة بيع الدجاج والبيض في هذا السوق والمنطقة عبارة عن سوقين (يشير الى زقاق مقابل)، حنون الصغير وحنون الكبير نسبة الى تاجر يهودي اسمه (حنوني) كان يعمل في بيع البيض والدجاج. عشت هنا اكثر من سبعين عاما، واذكر ان هذا السوق كان مركز تجاري لبيع المواد الغذائية كالدجاج والسمك والبيض. تفتح ابوابه مبكرا والحياة فيه كانت يسودها انسجام وتعاون ومحبة بين الاطياف العراقية، فيأتي الباعة ببضاعتهم الى السوق من الأرياف، والمحافظات مثل ديالى والناصرية وغيرها، فيما يدخل السوق صباحا تجار اخرين من باب المعظم والباب الشرقي ومناطق بغداد الأخرى يتبضعون منه”.

وتابع: “ما يمنح المنطقة اهمية انها من التراث البغدادي الجميل، ووجود ضريح ومرقد (للشيخ اسحاق) الذي كان مزارا لكل أطياف العراق فيرتاده اليهود والمسيحيين والصابئة والمسلمين، (يخرج دفتر صغير من جيبه ويقرأ) وهو الشيخ أبو اسحق إبراهيم ابن علي يوسف الشيرازي الملقب جمال الدين توفي 1083 دفن في (باب ابرز) كما كان  يطلق على هذه المنطقة سابقا”.

واضاف: “المعلومات اخذتها من كتب تتحدث عن تاريخ بغداد. لكن هذا الضريح تعرض للإهمال والتخريب وسرقة محتوياته بعد احداث عام 2003. اناشد الجهات المختصة بالاهتمام بالمرقد وتنظيفه وفتح بابه للزائرين، والاهتمام بالتراث الذي يزين المحلات والبيوت في هذه المنطقة”.

السيد عبد العظيم محمد قال: “سكنت في سوق حنون في خمسينيات القرن الماضي كانت من أجمل محلات بغداد، تتجسد فيها الحياة البغدادية من انسجام الطوائف والتلاحم بين الساكنين بعد عام 2003 تعرضت لدخول متطفلين، وقام بعض المالكين بتهديم بيوتهم التراثية وبناء بيوت من الطابوق والاسمنت، ما شوه منظر المنطقة التراثي، إضافة الى ما تعرض له مرقد الشيخ إسحاق من اهمال وتخريب. ادعو الجهات المختصة للاهتمام بالمرقد والبيوت التي تهاوت وتدهورت. ليعيد للمنطقة وللمرقد مكانته واهميته”.

د. غادة السلوق رئيس قسم العمارة في كلية الهندسة جامعة بغداد قالت: “سوق حنون الكبير والصغير مجموعة من الازقة، متعرجة وتنتقل بمسارات الى الأسواق الأكبر، والاسم لاحد تجار البيع في السوق واعتقد ان اسمه (حنا) ، سوق حنون منطقة سكنها اليهود العراقيين، والنسيج التراثي لا يختلف عن بقية نسيج بغداد لكن هناك بعض الاختلافات الطفيفة،  في هذه المنطقة تصغر الازقة كثيرا، وضيق الزقاق جزء من الصيغة الدفاعية له، كان اليهود حين يشعر احدهم بأن هناك طفيلي في الزقاق يكفي ان يفتح احدهم بابه ويفتح الاخر من الجزء الثاني بابه ما يؤدي الى حصر المتطفل او الدخيل، الطراز المعماري للبيوت في سوق حنون متشابه لا فرق بين البيوت التي سكنها اليهود او المسلمين او المسيحيين”. وتابعت: التعامل المالي في السوق كان مناط بالتجار اليهود، وهناك انسجام بين الحياة التجارية الخدمية وبين الطبيعة الاجتماعية، ومن فعاليات هذا السوق كان الشماس الذي يصيح وقت صلاة اليهود فيتركون محالهم ويذهبون الى المعابد، وفعاليات اجتماعية أخرى لم توثق، لكن نتوارثها من روايات الناس. تدهورت هذه الأبنية بعد ان تركها اليهود ولا يمكن لاي جهة ان تعيد ترميمها لأنها تعود لأملاك شخصية. نأمل ان تهتم الجهات المختصة بالتراث قبل ان ينتهي”.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة