ذاكرة المدن والحياة والإنسان

” داخل المكان “

ريسان الخزعلي

                      ( 1 )

” داخل المكان – المدن روح ومعنى ” ، كتاب الأديب اللامع / جمال العتابي / ..، كتاب يتشاغل بالذاكرة ووعي الذاكرة . في الذاكرة يترسب ما يؤنسها ويخدشها على السواء ، ووعي الذاكرة اللاحق يكشفها ويمنحها البُعد الدلالي ، تاريخياً وسياسياً وجمالياً ونفسياً .

إن َّ ذاكرة المؤلف راكمتها ذاكرات فرعية تشابكت بالتتابع الزمني : الذاكرة البصرية ( الطفولة والصبا ) ..، الذاكرة المدرسية ( الابتدائية – الثانوية – الجامعية ) ..، ذاكرة الوعي ( السياسة والثقافة ) . وهذه التفرعات الذاكراتية يوحدها المكان الممتد من أقاصي الجنوب ( الغازيّة – الشطرة – الغرّاف ) وحتى مدن العاصمة ( الكاظمية – الأعظمية – الحريّة  ) وشوارعها  ، ومن ثم التطواف في بعض المدن القصيّة خارج حدود الوطن .

                  ( 2 )

ضم الكتاب ثلاثة فصول  – رغم أن َّ المؤلف لم يعتمد التقسيم هذا – متتابعة مكانياً وزمنياً . وقد كان القسم الأول مكرّساً ذاكراتيّاً عن مستقرّه الأول ، ففي الغازيّة والشطرة والغرّاف ، كان التشابك مع المدهشات التي تُغري البصر والسمع : الريف والمدن المتريّفة ، الأنهار ، المدرسة البعيدة ، المقاهي ، الناس وعوزهم ، الدكان / المكتبة ، سحنات الوجوه المتعبة ، الشرطة والحرس ، الأب التربوي واشتغالاته السياسية ، الأصدقاء في توحدهم الطبقي  ، الغناء الريفي …الخ من المشهديات البصرية والسمعية التي لصقت بالذاكرة .

وفي القسم الثاني ، كانت مدينة الحريّة ، تُمثّل الارتكاز الذاكرتي الواعي ، الارتكاز الواسع المتشابك مع الحياة : سياسيّاً وثقافياً ورياضيّاً . ففي هذا الفصل طالعتنا الوجوه الثقافية الفاعلة في المشهد الثقافي العراقي وهي تتناوب المقاهي والنزهات وملاحقة الظلال السياسية وبائع الباقلاء ، والإنصات لما كان يحصل من أحداث وتحوّلات في السياسة والحياة الإجتماعية ، كما أن َّ إشعاع الشاعر الكبير / مظفر النواب / في هذا الفصل يمنحه تأصيلاً ذاكرتيّاً يرتبط بذاكرة الناس الشغوفة بالنوّاب شعرياً وسياسياً . ويكاد هذا الفصل والفصل الأول أن يكونا المتن الممتلئ بالمكان وذاكرة المكان ، وبما يتواشج مع التوصيف الأساس للكتاب   داخل المكان .

  أما الفصل الثالث ، فقد ابتعد عن ذاكرة المكان إلى حد ٍ ما ، إذ جرى التذاكر مع أصدقاء مثقفين ، وبما يعكس محنتهم الوجودية داخل وخارج الوطن ، ولم يكن للمكان من ثبات ٍ معهم سوى الروح التي تُركت في المكان ، وهنا يصح القول كما في العنوان الثانوي : المدن روح ومعنى .

                                                   ( 3 )

كتاب  : داخل المكان – المدن روح ومعنى ، تأويل ذاكرتي حسي الإيقاع ، يمنح الوجود الأول بشقّه المكاني ، قيمة فنية / جمالية لا يدركها ويحسّها إلا مَن امتلك مجسات مدببة تمتص الملح من قطرات المطرقبل ماء الأرض ، والعتابي ، لا أُبالغ إن قلت : كان سارداً وشاعراً في : داخل المكان . وهنا وللضرورة الإبداعية أستعير قول ( أمبرتو إيكو ) الذي جاء في تقديم الكتاب : ( مالا يمكن تنظيره ينبغي سرده ) ..، وهكذا تم سرد ( ذاكرة المدن والحياة والإنسان  ) في هذا الكتاب بلغة طيّعة وإسترسال رشيق موح ٍ بعيداً عن الإستطراد . وما أجمل ايحاء القول : الغازيّة تتكلم روسي !

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة