ثمانيني يتبّرع بمنزله ليكون متحفا تراثيا في السماوة

الصباح الجديد – متابعة:

العديد من محافظات العراق وعدد من المدن في بغداد تزينت بمبان تراثية تستحق الاهتمام والترميم بما يليق بتاريخها وجمالها، وتستحق ان تكون تحت حماية وزارة الثقافة على اقل تقدير، كي لا تتعرض للهدم، او تتحول الى مخازن، لأنها جزء من تاريخ عريق.
في منزل الحاج عبد اللطيف الواقع في مدينة السماوة نشاهد الشناشيل التي تميز التراث العراقي، وهي شرفات مصنوعة من الخشب وبزخارف جميلة.
واقدم عبد اللطيف الجبلاوي، وهو ثمانيني يعرف بـ»الحجي» على التبرع بمنزله البالغة مساحته 196 مترا مربعا والواقع في شارع النجارين في قلب هذه المدينة التي تبعد 300 كيلومتر إلى الجنوب من بغداد، ليكون متحفا تراثيا.
نشأ الجبلاوي وتربى كما هي حال ثلاثة أجيال من عائلته الكبيرة، جدودا وأبناء وأحفادا، في هذا البيت المؤلف من 13 غرفة تزينها شبابيك ملونة بالأخضر والأزرق والأصفر.
ويروي الحجي أن الجميع غادروا المنزل «خصوصا مع رغبة الجيل الجديد في العيش في منزل مستقل»، بعدما كان يجمع في ثمانينيات القرن الفائت كل أفراد العائلة، موزعين على الغرف المميزة بإضاءة ملونة عبر الشبابيك بالأخضر والأزرق والأصفر، تربطها سلالم شديدة الانحدار.
في أحد جوانب المنزل موقد يعرف بـ»قبة نار» للتدفئة وإعداد الطعام، وفي جانب آخر بئر ماء يتدلى فيها دورق (وعاء زجاجي) مثبت بحبل.
مع الوقت، أخذ الإهمال يتسلل إلى أنحاء المنزل. ويستذكر الحجي أنه في السنوات الماضية «كنت أمرّ قربه وأراقب حاله، فأشعر بأنه يعاتبني كأنه يقول: أهكذا يكون الوفاء؟ فأتألم بشدة حتى عاهدت نفسي أن أعيد إليه الحياة».
ولتنفيذ مشروعه الوطني قام بشراء حصة كل فرد من الورثة ليكون ملكا صرفا له ويكون حرا باختيار ما يفعل به، «في عام 2015 قررت ترميمه ووجدت مهندسا معماريا متخصصا بالتراث».
دفع «الحجي» 250 مليون دينار (حوالي 200 ألف دولار) مقابل هذا العمل، علما بأنه قوبل بمعارضة معظم أفراد عائلته وبينهم ابنه الأكبر علي لان الكثير من الناس يستسهلون شراء بيت جديد على الترميم لاسباب عدة.
ويقول علي: «في البداية لم نوافق على مشروع والدي لأنه باهظ الكلفة والبيت متهالك. فطلبنا هدمه لبناء مشروع مكانه لأنه يقع في مركز المدينة، لكن والدي رفض رفضا شديدا».
ويضيف «عادت الحياة إلى البيت من جديد وأصبح قبلة للزائرين ورمزا تُعرف به عائلتنا. وعرفنا الآن أن الوالد كان على صواب».
ويلفت علي بفخر إلى أنه قبل تفشي فيروس كورونا في العراق «كانت تقام أمسيات أدبية وموسيقية وشعرية في البيت ويزوره كثيرون من محبي التراث»، مشيرا أيضا إلى استعماله موقعا لتصوير شريط تراثي حمل عنوان «روح السماوة».
علقت على جدران المنزل بعد ترميمه صور أثار قديمة وأخرى لشيوخ عشائر من جنوبي البلاد، ووضع دولاب خشبي قديم في إحدى غرفه، إضافة إلى مذياع قديم وأوان للطبخ أكل منها الزمان.
لم تتمكن دائرة الآثار في محافظة المثنى، أكثر محافظات العراق فقرا، من دعم مشروع الترميم الذي جعل المنزل صرحا ثقافيا يجسد مناطق جنوبي العراق التي تمتد فيها أهوار وأرياف وصحارى وتشتهر بطابع قبلي.
ويقول مسؤول وحدة التراث في المحافظة مصطفى الغزي إن «دورنا يكمن في حماية هذه الأماكن التراثية، ونوفر حراسا لهذا الغرض إذا استدعى الأمر».

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة