من قلب الجحيم.. في ماهية الشعر

متابعة الصباح الجديد:

صدر عن منشورات المتوسط – إيطاليا، كتاب “من قلب الجحيم – في ماهيَّة الشعر”، إعداد وترجمة الكاتبة والمترجمة العراقية خالدة حامد. كتابٌ اتخذَ عنوانهُ من ماهيَّة الشعر الحقيقي، والذي بحسب رأي هايدغر، هو الذي يكشف ماهيَّة الوجود وماهيَّة اللغة؛ والشاعر الحقيقي هو القادر على تحمّل أعباء المزاوجة بين الفلسفة والشِّعر في قلب الجحيم. من جهته فإنَّ الشاعر الأميركي جيمس رايت، حينما تلقَّى رسالة من ابنه فرانز، فيها قصيدة كتَبَها له، ردَّا عليه: “أنت شاعر؟! مرحباً بكَ في الجحيم”.
هذه المختارات يجمع بينها قاسمٌ هو الشِّعر وإن فرّق بينها الزمن والاتجاه، فقد صنَّف النقادُ شعراءَها ضمن مدارس أو حركات أدبية مختلفة (سيلفيا بلاث وفرخزاد، مثلاً، في خانة “الشِّعر الاعترافي”، جيمس رايت وروبرت بلاي، في خانة “الصورة العميقة”). ويمكن أن ننظر إلى هذه المختارات من زاوية كونها محاولات في ترجمة الشِّعر أو شعريَّة الترجمة، حينما ينجح مترجم مثل إليوت، أو بلاي، في الإمساك بالقصيدة في محاولة منه للعثور على ذاته في نصٍّ آخر، عبر اختراق حجابات شاعر آخر، وانتزاع قشرةِ النصِّ والدخول إلى لُبِّه، أو لفتح نافذة أخرى نُطلُّ منها على مهارة الشاعر المُترجِم وبراعته وهو يفكُّ أختامَ نصٍّ مُحكَمِ الغلْق وصولاً إلى الحقيقة الساطعة وهي أنَّ “ما يبقى، يؤسِّسُهُ الشعراء”، لأنَّ الشِّعرَ تأسيسٌ بالكلمة وعبر الكلمة.
وتتساءل المترجمة في مقدمة الكتاب: كيف يمكن الوصول إلى ترجمة نابضة بالشِّعر؟ وما هي عدّتها؟ أيمكن القول إنّ الموهبة الشِّعريَّة هي الشرط الوحيد لإتقان ترجمة الشِّعر، إلى جانب امتلاك ناصية اللغة؟ ربّما تتضافر عوامل عدّة لإتقان ترجمة الشِّعر، منها مثلاً الرغبة بالترجمة والشَّغفُ بها، المثابرة والدأب، غزارة المعرفة، الموهبة، وقد تكون اللّذّة التي لا يشعر بها إلا مَنْ يخوض هذه المغامرة.
جاء الكتاب في 192 صفحة من القطع الوسط.
من الكتاب:
فَمَنْ هو الإنسان؟ إنه الوحيد الذي ينبغي أن يكون شاهداً على ما هو عليه. أن تشهد يعني أنكَ تبرهن، لكنه يعني أيضاً تكون مسؤولاً عمّا برهنتَ عليه في شهادتكَ، الإنسان هو الذي يكون، على وجه التحديد، الشاهد على وجوده الخاصّ. هذه الشهادة لا تعني تعبيراً لاحقاً وإضافياً عن كينونة الإنسان، بل تشكِّل جزءاً من وجود الإنسان. لكنْ، على ماذا ينبغي أن يشهد الإنسان؟ على انتمائه للأرض؟ هذا الانتماء يتوقّف على حقيقة أن الإنسان هو الوريث، والمتعلّم للأشياء كلّها. لكن الأشياء تكون في صراع، بطبيعة الحال، فما الذي يُبقيها بمنأى عن الصراع، ويعمل، في الوقت نفسه، على دمجها معاً في علاقة، يسمّيها هولدرلين بـ “العلاقة الحميمة”. إن شهادة الانتماء لهذه العلاقة الحميمة يحدث من خلال خَلْق العالم وبزوغه، وكذلك من خلال دماره وأفوله. فالشهادة على كينونة الإنسان، وبالتالي على إنجازه الأصيل، تتأتّى لديه من حُرّية القرار. القرار الذي يُمسك بقبضة ما هو ضروري، ويربط نفسه في رباط علوي. إن كون الإنسان شاهداً على انتمائه، من بين الكينونات الأخرى ككلّ، يحدث بوصفه تاريخاً. لكنْ، ليكون هذا التاريخ ممكناً، أُعطيَت اللغةُ للإنسان. وهي مصلحة من مصالح الإنسان.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة