الديمقراطية و الربيع العربي: مقاربة بنيوية تاريخية

الديمقراطية و الربيع العربي: مقاربة بنيوية تاريخية

فالح عبد الجبار*

(مؤتمر وهران اكتوبر 2013)

مدخل:

حركات الاحتجاج التي اطلقت فك النظم المغلقة نحو نظام سياسي مفتوح للمشاركة، ابتداء من اواخر عام 2010 وحتى اللحظة، عمّدت بأسم الربيع العربي (او الخريف العربي عند القطاع المتشائم) هي في الاساس بدايات عملية اشاعة الديمقراطية بصرف النظر عن ارديتها الايديولوجية، وهي ليست بعيدة عن المشابهة مع حركات الاحتجاج التي عمت اوربا الشرقية واميركا اللاتينية في تسعينيات القرن المنصرم، التي انتهت بانهيار نظم الحزب الواحد الاجتماعية، او النظم الاوليغارشية العسكرية. هذه الاخيرة هي ما احتفى به صامويل هانتنغتون(مرجع Huntington) كموجة رابعة، جديدة في مسار انتشار الديمقراطية في العالم. لكن العالم العربي بدا في حينه صامتا، يقف خارج التاريخ الكوني. اما الان، بعد عام 2010، فان الاندفاع العربي لفك النظم التسلطية او التوليتارية او السلطانية باغت السياسيين مثلما فاجأ المشتغلين بالعلوم الاجتماعية، وبخاصة علم السياسة وعلم الاجتماع، العرب منهم والاجانب على حد سواء. بل ان الانتقال الجاري، المضطرب بكل المقاييس، الان والذي سيغطي مدى زمنيا طويلا شأن اي انتقال، ما يزال يشكل بعد زوال المفاجأة، تحديا للعلوم الاجتماعية، لتفسير و فهم ظاهرة تتعارض مع مألوف نظريات الدمقرطة.

في هذا المبحث سوف نسائل اولا: النظريات السوسيو-سياسية عن الامكانات والشروط السوسيولوجية للدمقرطة او اللادمقرطية، اي انهيار الدمقراطية، مقارنين هذه الاشتراطات بالواقع العربي المتنوع، لنرى الى مدى انطباقها او افتراقها عن التطور الراهن.

وسوف نسائل ثانيا الدولة في العالم العربي لنرى الى تنوعها و تمايزها من حيث هي اجهزة للحكم ومن حيث هي بناء امة في دولة اي الدولة-الامة، لنرى الى الامكانات المحتملة للتطور الديمقراطي في العناقيد الثلاثة التي تتوزع عليها انماط الدول هذه.

واخيرا او ثالثا، سوف نسائل التحولات والتطورات التي مهدت الى ورافقت ثنايا الحركات الجماهيرية التي نسميها الربيع العربي ، بالمقارنة التاريخية مع التطورات والتحولات السابقة التي غطت المشهد خلال النصف الثاني من القرن العشرين، على امل ان تسمح هذه المساءلة التماس تفسير بنيوي-سوسويولوجي للتحولات العربية الجد يدة ومآلاتها المحتملة.

اولا: مأزق التفسير- نظريات او مقاربات نشوء الديمقراطية او انهيارها و تعذر نشوئها

1 -نظريات الديمقراطية:

هناك في الاقل اربع مقاربات او اطر نظرية عالمية لفهم وتفسير الانتقال الى الديمقراطية، وهي تقوم على سؤال اساسي، بسيط وعميق في آن: لماذا نشأ النظام الديمقراطي في العصر الحديث، النظام المعروف بتقسيم السلطات، وارتكاز الحكم على الرضى عبر الانتخابات، وعلى مبدأ حكم الاكثرية؟ معروف ان نظرية تقسيم السلطات نشأت في جمهوريات المدن الايطالية (منع الحاكم من تولي امور القضاء في العقود التجارية التي يكون طرفا فيها)، ثم تطورت الفكرة عند جون لوك، الفيلسوف الانكليزي، باسناد سلطة التشريع الى البرلمان، ثم تطورت عند مونتسيكيو، فيلسوف فرنسا قبل الثورة، الى الفصل بين سلطات التنفيذ والتشريع والقضاء، على قاعدة لا تحد السلطة الا السلطة _المعاكسة). و لكن يبقى السؤال كيف و لماذا تمكنت المجتمعات الحديثة، الصناعية بالتعريف، من بلوغ هذا التنظيم الجديد، بعد قرون من حكم اكليروسي، وسيادة الملكية المطلقة، حكم الفرد الواحد (الاوتوقراطية)؟ او السؤال: لماذا حصل ذلك في اوربا الغربية تحديدا وليس في رقعة اخرى؟ 

الكتابات عن النظريات او الفرضيات عن نشوء الديمقراطية الحديثة غزيرة نختار منها اربعة تيارات مرجعية معاصرة، لنرى الى هذا التفارق بين منطوق الخطاب والتطورات العربية:

• هناك اولا اطروحة وجود او غياب الطبقات الوسطى الحديثة. ابرز الدارسين هنا هو بارينغتون مور جونيور في كتابه الشهير: الجذور الاجتماعية للديكتاتورية و الديمقراطية The Social Roots of Dictatorship and Democracy. و بدون اي تعقيد، يقدم مور صيغته على الوجه التالي: وجود و تطور الطبقة الوسطى= الديمقراطية، فبدون طبقة وسطى لا توجد ديمقراطية. من هنا تركيزه على توازن القوى بين الطبقات الوسطى وغيرها من الطبقات التي قد تعرقل التوق الى الديمقراطية، ومدى قدرة الطبقات الوسطى على مد نفوذها الثقافي والفكري والسياسي اعتمادا على موقعها المركزي في الاقتصاد والمعرفة.

• هناك ثانيا اطروحة الدولة القوية\الدولة الضعيفة. خير من يمثل هذه الاطروجة الباحثة ثيدا سكوتشبول في كتابيها: الدولة و الثورات الاجتماعية، وكذلك: الثورات الاجتماعية في العالم الثالث Theda Skocpol’s، State and Social Revolutions، (also her other work: Social Revolutions in the Third World التي تضيف الى فرضية الطبقة الوسطى بعدا جديدا نسميه نظرية الدولة القوية\الدولة الضعيفة. الاولى تسمح للطبقة الوسطى بالانتقال الى الديمقراطية، والثانية تعطله، و تأخذ على ذلك مثال الثورة الانكليزية في القرن السابع عشر التي ارست النظام الملكي الدستوري، مقابل فرنسا التي تعطلت فيها هذه الثورة قرنا و نصف عن نظيرتها الانكليزية، فالدولة الاولى كانت بلا جيش دائم ،جزيرة لا تحتاج الى دفاعات مستديمة، و ليس لها جهاز اداري، و نظامها لجمع الضرائب محدود، مقابل فرنسا الدولة البرية، المهددة، ذات جيش دائم، و جهاز ادراي صلد، و نظام ضريبي ممركز، الخ.

• هناك ثالثا المقاربة التاريخية او مقاربة العصر الصناعي \الراسمالي، سواء في النظرية الماركسية او النظرية الفيبرية، فكلاهما يفسر نشوء الديمقراطية بانطلاقة الرأسمالية وبزوغ عصر التشكيلة الرأسمالية (ماركس)، او عصر العقلانية اوالحداثة (حسب تسمية الحقبة نفسها عند ماكس فيبر). في هذه الحقبة ادى نشوء المشروع الصناعي الى قلب عالم الثروة، والمجتمع و بالتالي السياسة عاليه سافله. فأولا انتقل انتاج الثروة من اقطاعات الريف الى مصانع المدن، ومن النبلاء الى طبقة رجال الاعمال (صناعيين و صيارفة و تجار)، ومن النهب اللاعقلاني عن طريق الحروب والقرصنة الى المشروع العقلاني القائم على الحساب الدقيق، ونشأت المدن الحديثة المكتظة بطبقات اجتماعية جديدة، الطبقة الثالثة (الرأسماليون)، و الطبقة الرابعة (العمال و الشرائح الهامشية و الحرفيون المفقرون، الخ)، و اقترن ذلك باتساع دور العلوم الطبيعية، هتك الحرافات الدينية، واحتكار جديد للمعرفة، رافقه انقلاب في اللاهوت والقيم حسب ماركس او سبقه انقلاب اللاهوت والقيم حسب فيبر، و بالتحديد تحرير الايمان لصالح الفرد و تهرؤ قيم التفاوت الموروث، وتدهور فكرة الدم النبيل، وصولا الى اعلاء المساواة امام القانون و تقييد العاهل بدستور، و فك احتكار التيجان. فلنتذكر شعار الثورة الفرنسية: حرية، اخاء، مساواة. للثروة و السلطة.

• هناك رابعا المقاربة الثقافية احادية السببية، التي تحيل نشوء الديمقراطية الى تبلور و نضج ثقافة جديدة ( الثقافة بوصفها مجموعة افكار و قيم و تصورات ناظمة لروابط الجماعة) نزاعة الىفكرة المساواة بين البشر بوصفهم مونادات متماثلة، و فكرة الحرية كمقولة شاملة، و تلاها من تاسيس مفهوم الحرية في ميدان المؤسسات السياسية و الدساتير الناظمة.

و المدرسة الثقافية هي بالاحرى نقطة ارتكاز مرجعية اكثر منها نظرية خاصة، ونجدها في ثنايا دراسات مفكري و كتاب مدارس متضاربة، وهي تعود في ماهيتها الى فكرة ثنائية الشرق والغرب، اللاعقلاني مقابل العقلاني، ما يضع التعارض بين الغرب و الشرق على ركيزة افتراق جوهري، اي العقلانية مقابل اللاعقلانية، و العلم مقابل الخرافة، والديمقراطية مقابل الاستبداد.

بالطبع لا يمكن انكار وجود استبداد في الشرق، لكننا نشير ايضا الى وجود استبداد في الغرب الاوربي.

و يرى الثقافيون ان ثقافة الشرق، و منه العالم العربي، قائمة على المراتبية اي هي مجتمع عمودي التراتب بسبب التفاوت الموروث، و ليست مساواتية اي ليست مجتمعا افقيا بفعل المساواة. و هذه الثقافة ايضا، عندهم، عصبوية قرابية تعتمد المفاضلة في النسب، حيث يغيب مفهوم المساواة و مفهوم وواقع الفرد الحر. 

لو اخذنا هذه الفرضيات الاربعة كنموذج مثالي للمقارنة لتوصلنا على الفور الى استحالة استخدامها كاداة تحليلية مقارنة لتفسير احداث الربيع العربي قيد المعاينة. 

فالطبقات الوسطى في البلدان العربية رغم نموها العددي، هي في الغالب الاعم موظفو دولة، اي طبقة تعنمد على بيع المعرفة لقاء راتب، و ليست في جزئها الاكبر مالكا لاصول منتجة، سواء كانت هذه الاصول راسمالا، او عقارات. و هذه الشرائح الوسطى (كما افضل ان اسميها) تدين بحراكها الاجتماعي لرعاية دولة تسلطية، و هي بالتالي تفتقر الى الغرائز الديمقراطية التي ميزت نظيراتها سواء في الغرب ام حتى في بلدان عالمثالثية كالهند مثلا.

كما ان الدول العربية كهيئة للحكم و ايضا كممثل للأمة هي، بتوصيف سكوتشبول، دول قوية، تمتلك مصادر شرعية مستمدة من العرف القديم، و من الدين، وهما منتجان تاريخيان سابقان لنشوء الامة الحديثة، و محميان بمؤسسات فوق المجتمع، العاجز عن توليد شرعية معاكسة. و فضلا عن ذلك فأن هذه الدولة هي المالك الحصري للارض و ريوع النفط، اي المحتكر للثروة الاجتماعية، التي ما تزال حتى الان، في حدود متفاوتة، مندمجة بالسلطة السياسية، و لم تشهد الانفصال الذي تحقق في العصر الصناعي عالميا. بل ان الدولة العربية التي نشأت في المراحل العليا من الحداثة، انطلاقا من نقاط متباينة (مجتمعات زراعية-حرفية، او مجتمعات تجارية-حرفية، او مجتمعات رعوية) ، دخلت حقل الاقتصاد كمالك و منتج، وتحولت الى اكبر رب عمل منفردا، واقوى فاعل اقتصادي ثراء و قدرة.

وعليه فأن عمليات التحديث قادت الى منعطف خاص، ملتو، نشأ عنه دولة تحتكر السلطة الاجتماعية للثروة، و تمنع نشوء قوى اجتماعية مستقلة، مسلحة بالثروة و العلم لتحد من تركز السلطة، الشخصي في معظم الاحايين. لقد صور بعض الكتاب هذه الظاهرة بأنها «خاصية شرقية»، الواقع انها ظاهرة عالمية تشمل كل القادمين المتأخرين الى العصرالحديث، في اوربا كما في آسيا و اميركا اللاتينية. لقد ولدت الدول القوية، القادمة متأخرة الى الحداثة، في افضل الاحوال ما اصطلح عليه بالرأسمالية القرابية (سيطرة شبكة الاقرباء على العقود و التصرف بالثروات العامة) او رأسمالية المحاسيب و الأتباع ( (Crony Capitalism كما هو حال العراق و سوريا و مصر، ان اردتم امثلة: في العراق كان هناك 3000 عائلة من رجال الاعمال، مقابل 2400 عائلة مماثلة في بلد عربي آخر هو اليمن، ترتبط بوشائج القرابة و المصاهرة و العلائق الحزبية بقمة السلطة). 

الخلاصة: طبقات وسطى هشة، و عرجاء، طبقات رجال اعمال تابعة و معتمدة على الدولة، دولة قوية بل شرسة، غياب المجتمع الصناعي الحديث، و استشراء ثقافة مراتبية-قرابية، تتخللها تنظيمات قبلية و اسرية تترك بصماتها على النظام السياسي برمته، و ثقافة لاهوتية غير معقلنة، حبيسة تراث مقيد. هذا جميعا يقودنا الى ما يمكن ان نسميه: الديمقراطية المستحيلة! هل من فرضيات بديلة تقربنا قيد انملة من تفسير الانقلاب نحو فك النظام السياسي نحو الديمقراطية، لتفسير هذه الظاهرة الجديددة الواقفة على شفا المحال، من وجهة نظر العلوم الاجتماعية؟

2 – المنابع الكبرى للتمرد على الديمقراطية في مجتمعات حديثة او قيد التحديث:

دعونا نعاين الان المقاربات الفكرية التي تفسر انهيار الديمقراطية او استحالة نشوئها، بعد ان عاينا نظريات نشوء هذا النظام السياسي.

تكشف العصر الصناعي-الحداثي- الرأسمالي عن ثلاث مشكلات رئيسية:

اولا هناك التوزيع المختل، غير العادل للثروة الاجتماعية مشفوعا بتصدعات و انقسامات اجتماعية حادة سواء بين الطبقات او الاثنينات او المناطق داخل الدولة القومية الواحدة.

ثانيا: تنظيم العالم في وحدات قومية تتميز بعلائق مختلة او غير متوازنة بين هذه الوحدات القومية يفرزها الى رابحين و خاسرين، اقوياء و ضعفاء، باقتصاد متين او هش، باسواق خارجية مضمونة او بدون هكذا اسواق، وحدات متنافسة، محتربة باطراد.

ثالثا: التوسع الامبراطوري (امبريالي imperialist، المشتقة من امبراطورية empire ) و هي نشوء المستعمرات (الكولونيالية) ، وهي علاقة تسيد من الامم الصناعية على الامم الزراعية-الحرفية، مما اذكى النزعات القومية الكارهة للاجانب.

أكدت الليبرالية الكلاسيكية على الحريات الاقتصادية والسياسية الفردية بوجه الدولة الاتوقراطية التدخلية (زمن الاقطاع). وخلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر كان المفكرون الاقتصاديون الليبراليون، مثل آدم سميث، او الفيزوقراطيين الفرنسيين، يدعون الى حرية التجارة والاقتصاد، لكنهم لم يدافعوا عن حرية التجارة فحسب، بل دعوا ايضا الى حكومة الحد الادنى. وقد وضع سميث حجم الحكومة تحت رحمة قوانين العرض والطلب . ومنذ مطلعي القرن السابع عشر والثامن عشر، راح المفكرون السياسيون الليبراليون يشددون على حقوق الانسان الجوهرية (مثال ذلك فلاسفة العقد الاجتماعي)، ويشددون على كوابح وتوازنات لمنع الحكم الاوتقراطي (حكم الفرد الواحد). ان اطروحات جون لوك في الحكم لا تزال تمثل المبادئ الاساسية للحكم الديمقراطي: الحكم بالرضى وحكم الاكثرية، اما تقسيم السلطات والمؤسسات الوسيطة التي بحثها مونتسكيو فانها تؤلف المكونات البنيوية للحكم الديمقراطي.

ادى تقديم الليبرالية الى منح حق الانتخاب للطبقات المالكة اول الامر، بينما افقر التقدم الصناعي طبقات الفلاحين والحرفيين. وبالتوافق مع الفكر الليبرالي ولكن ايضا على الضد منه، وسعت المدارس الجماعية (الاشتراكية) الكلاسيكية في القرن التاسع عشر على نحو راديكالي (وربما قبل الاوان)، المبدأ الليبرالي في الحرية السياسية والمساواة ونقلته الى المجال الاقتصادي، مؤكدة تعايش وتصارع الاضداد بين الفرد والجماعة او بين المصلحتين الخاصة والعامة. كما هاجمت الجماعية القاعدة الاجتماعية الضيقة لديمقراطية القرن التاسع عشر، التي استبعدت الطبقة الرابعة، من الفئات الحضرية وغير المالكة كما استبعدت النساء عن المشاركة السياسية. كانت المدارس الديمقراطية مهتمة بتوزيع السلطة السياسية وتنظيمها. اما المدارس الجماعية فكان اهتمامها ينصب على توزيع السلطة الاقتصادية (الثروة). وكانت علاقات السلطة السياسية قائمة على توزيع الثروة الاجتماعية بحيث ان حكم الاغلبية والحكم بالرضى فقد معناه لصالح المتحكمين بالثروة. سعت المدرسة الجماعية الى علاج راديكالي طوباوي: الغاء الملكية الخاصة والدولة، بالمعنى الماركسي او الفوضوي. وحين نسترجع هذا التاريخ نرى ان نقد المدرسة الجماعية للراسمالية في القرن التاسع عشر وتمردها ضدها في القرن العشرين (الثورة الروسية في 1917) قد اجبر الليبرالية الصناعية على تعديل بعض قواعدها مثل اقامة نظام الضمان الاجتماعي (ما يسمى: دولة الرفاه) وتدخل الدولة في الاقتصاد كما حصل ايام الرئيس الاميركي روزفلت صاحب «الصفقة الجديدة»، وذلك قبل ان تنظم الكينزية (نسبة للاقتصادي الانكليزي كينز 1882-1946) وتشرع فيما بعد الحرب درجة من الحماية والتدخل الحكومي المنظم في الاقتصاد على النطاقين الوطني والعالمي. ان مبتكرات كينز وهي البنك الدولي (WB) وصندوق النقد الدولي (IMF)، لا تزال معنا حتى هذا اليوم. كذلك حال نظام الضمان الاجتماعي (دولة الرفاه) وحق الاقتراع الشامل وحكم القانون.

هناك تيار اخر مناوئ للديمقراطية جاء من مصدر اخر. انه الاشتراكية القومية الدولتية في القرن العشرين، المتمثلة في النازية والفاشية ذات الطابع العنصري العدواني ، التي كشفت بضراوة عن مظهر محتدم في العصر الصناعي الليبرالي: ان النظام العالمي المؤلف من دول قومية يرتكز على توازنات قوى مختلة، حافلة بالتنافس الاقتصادي الشرس والتنافس السياسي والحروب التجارية. وسبب ذلك ان العصر الصناعي مستحيل من دون وجود اسواق دولية وتجارة عالمية. وهو نمط عالمي واقع في شرك الحاجة الماسة الى وحدات قومية باعتبارها وسائل فاعلة للتنظيم والتحكم. ولكن العلائق بين الدول كانت ابعد ما تكون عن الديمقراطية. وعبر الكثير من التاريخ الحديث، لا يكاد يكون بالوسع ان توصف هذه العلاقات الدولية بانها ديمقراطية. ولعل هناك الان الكثير من القيود والتوازنات التي تقلل من التصادمات في العلاقات الدولية، لكن هذه كانت غائبة على نحو مروع في مستهل القرن العشرين.

كانت هذه مفارقة، وهي لا تزال قائمة الى حد ما. لقد عمم العصر الصناعي نظام الدولة- الامة باعتبارها كيانات سياسية قابلة للديمومة الاقتصادية. ولكن العصر الصناعي لم يكن ولم يستطع ان يوفر الشروط اللازمة للسير الهادئ لهذا النظام. كانت بعض الامم اقوى واكثر تقدما من الاخرى، وليست هناك سوى دول قليلة تسيطر على الاسواق العالمية ومصادر المواد الاولية، كي تلبي حاجات الانتاج الراسمالي المتوسع باطراد. ان ولادة ضرورة الدولة- الامة اطلق النزعة القومية ووضع في خدمتها انظمة الاتصال الهائلة للتعبئة في المدينة وحتى التعبئة في الريف. كانت الامم المهزومة (مثل المانيا) او الدول المقصاة (مثل ايطاليا) في الحرب العالمية الاولى قد عملت سريعا على الانتقام. لقد شكلت فكرة (المجال الحيوي) الالمانية او سعي ايطاليا الى استعادة مجد الامبراطورية الرومانية حافزين لاندلاع الحرب العالمية الثانية التي اودت بحياة اكثر من 50 مليون انسان.

ان هذا النموذج (الالماني والايطالي) من النزعة القومية المتطرفة هو في جانب منه احتجاج ضد اللامساواة في النظام العالمي للدول القومية كما انتجته المرحلة الصناعية المبكرة. وكان ذلك ايضا تمردا نخبويا ضد نقاط ضعف النظام السياسي الليبرالي، الذي كان، من وجهة نظر خصومه من انصار اولوية الدولة- الامة، قد اضعف ارادة الامة، وسمح للفئات والطبقات المؤيدة للجماعية بان تمزق الوحدة الوطنية. ان الازدراء الذي نظر به بنيتو موسوليني وادولف هيتلر الى «الارقام المحضة للدهماء» يشير الى مقدار نفورهما من الحكم الليبرالي او من الصراع الطبقي للمدرسة الجماعية.

اخيرا هناك ميدان اخر للصراع الذي نتج عن قيام العصر الصناعي الليبرالي وهو الكولونيالية: ان مبدأ قيام الامم، المبني على اساس اللغة والدين او الارادة السياسية الجماعية، قد اطلق العواطف القومية والحركات الاجتماعية بين الكثير من الجماعات المرشحة لان تؤلف امة بذاتها، ضد الامبراطوريات الاوتوقراطية القديمة المتعددة القوميات (مثل الامبراطورية العثمانية) او ضد الحكم الكولونيالي في العالم. لقد بدأ هذا التوجه في المستعمرات خلال القرن التاسع عشر، ولكنه لم يتطور كليا قبل حلول القرن العشرين.

توجد في العالم اليوم نحو 8000 مجموعة لغوية وهذا يعني ان ثمة 8000 كيان قومي يمكن ان ينشأ نظريا، على ان لدينا اقل من 200 دولة، ولا نكاد نجد دزينة من الدولة ممن تدعي التجانس «الاثني- العرقي» او «القومي» . لا بد من التذكير ان القرن العشرين قد دشن سياسة ما بعد الحرب العالمية الاولى بتعميم مبدأ الامم، او مبدأ القوميات: وهو حق تقرير المصير. مثال ذلك ان الرئيس الاميركي وودرو ولسون والرئيس السوفييتي فلاديمير التش لينين، تبنيا هذا المبدأ من وجهتي نظر متناقضتين، الاول نحو دعم الديمقراطية الليبرالية والاخر نحو تعزيز الثورة الجماعية باعتبارها صيغة من الديمقراطية الاجتماعية.

لم تكن حروب المستعمرات جديدة. كانت الحرب الاميركية من اجل الاستقلال او النضالات الاميركية اللاتينية من اجل الاستقلال في القرن التاسع عشر قد سبقت منذ وقت طويل الموجات الاسيوية والافريقية في الثورة ضد الكولنيالية. لكن العالم بات اكثر تعقيدا. ان النزاعات العرقية والدينية تطوق العالم الثالث الان. واوربا نفسها ليست بمنأى عن الازمة. ذلك ان يوغسلافيا السابقة والاتحاد السوفييتي السابق تفككا الى مكوناتهما القومية مؤخرا ليس الا. غير ان «الامم» الجديدة التي تشكلت في اغلب دول العالم الثالث فاقدة للحيوية الاقتصادية والنضوج المؤسساتي والتكوينات الاجتماعية- الاقتصادية (اي الطبقات الفاعلة) او القيم الثقافية الضرورية للحكم المستقر ناهيك عن الحكم الديمقراطي.

ان المشاكل الاساسية التي اطلقت هذه الاتجاهات والميول الثلاثة المناهضة للديمقراطية الليبراليةخلال القرن العشرين لا تزال تعيش معنا الى حد ما: وهي تضاد المصلحة الخاصة للفرد مقابل المصلحة العامة للجماعة، وتضاد الفرد مقابل الدولة، وتضاد الامة مقابل الامة، وتضاد الامة مقابل العالم. وحتى يومنا هذا فان ثمة من يفضل مثال دولة الرفاه (الخدمات الاجتماعية) ودولة التنمية على الحريات اي الدولة الديمقراطية، كما ان هناك من يضع الاولوية للاهداف القومية على بناء الديمقراطية كما هو الحال في الكثير من بلدان المنطقة العربية وجوارها.

هذه هي بايجاز شديد المعضلات الكبرى التي ولدها تطور الحداثة : مجتمعات مختلة في توزيع الثروة، امم متفاوتة القوة والثروة في نظام علاقات مختل، وامم ناجزة متوسعة وأخرى خاضعة، قيد التكون. 

3 – الخلاصة: استعرضنا في الفقرة رقم 1 نظريات الدمقرطة وفي رقم نظريات انهيار الديمقراطية2 .

يبدو الربيع العربي من منظور النظريات او الفرضيات المفسرة لنشوء الديمقراطية محالا،فكل الشروط اللازمة للديمقراطية غائبة او ضعيفة في العالم العربي.

كما ان العوامل التي تفسر انهيار او تعذر الديمقراطية كلها قائمة في العالم العربي. 

هنا تبدو النظريات شذوذا او استثناء. فااذا كانت الشروط الاساسية للدمقرطة اما غائبة او ضعيفة، و كانت شروط الانهيار قائمة جميعا. 

ان صح ذلك، فلن يبقى أمامنا سوى خيارين، اما البحث عن توليد فرضيات جديدة، او النكوص عن اعتبار الربيع العربي حركة ذات مآلات ديمقراطية. اي اما توسيع النظريات القائمة كي تشتمل على مفاهيم جديدة تفسر ما يحصل في اطار نظرية الدمقرطة، او نبذها كلا او جزءا.

الأنماط السياسية ،واشكالاتها

لنلاحظ ان المقاربات و الخلاصات تدور آخر المطاف حول الدولة كنظام للحكم ، فالديمقراطية لا تعني شيئا آخر سوى ادارة المجتمع بطرائق محددة . و منطق البحث هذا يقودنا الى البدء بها. و لكن مقولة الدولة التي تبدو بديهية، هي في نظرنا غامضة و ملتبسة، و لا بد من تحليل بنيتها و طابعها، و لسوف نرى ان هذه المقولة تتطلب تفريقها الى عناقيد مختلفة، يقف فيها كل عنقود في علاقة خاصة بمسألة الانتقال الى فك النظام السياس الحالي، و هي قادرة، بدرجات متفاوتة، على تسهيله او وأده، او تأمين انتقال سلس، او انتقال متعرج. فقصة العملية الانتقالية لم تنته، بل بالأحرى بدأت لتوها.

الدارس للتاريخ العربي في القرن العشرين سيدهش لكثرة التحولات في البنية السياسية و المجنمعية و الثقافية. ففي حقل السياسة نجد نمطين أساسيين من أنظمة الحكم: النمط الأوّل هو النمط السلطاني (Sultanistic)، بحسب توصيف خوان لينز له، وهو نفس ما أطلق عليه ماكس فيبر مفهوم: النمط الأسري – الوراثي (باتريمونيال) (Patrimonial) ، وهو نمط حكم يقوم على سيادة أسرة وراثية (سلالة)، واعتماد الحكم على التراث و/أو الدين. هذا النمط قديم في الحضارة العربية – الإسلامية، ولم يشهد بدايات أفوله إلا بعد الإصلاحات العثمانية التي تكلّلت بثورة (بالأحرى «انقلاب») الاتحاد والترقي في عاصمة الخلافة العثمانية عام 1908، وإنهاء الخلافة رسمياً عام 1924، بعد تعليقها عملياً منذ عام 1908. وتحقق التحول نفسه خلال ثورة المشروطية (المعادِل الفارسي لكلمة «الدستورية») التي تواصلت من عام 1906 حتّى عام 1909 في إيران القاجارية ، و نشأ عن ذلك نظام ملكي-دستوري في بعض البلدان، سرعان ما تهاوى منذ منتصف القرن العشرين (الانقلابات العسكرية).بموازاة ذلك نما النمط السلطاني في عدد من الوحدات السياسية الأوّلية (المشايخ والإمارات في الخليج والجزيرة العربية)، على امتداد القرن العشرين، وتحول من نظم سلطانية تقليدية، إلى نظم سلطانية حديثة، بمعنى امتلاكها أجهزة بيروقراطية حديثة، وجيوش نظامية دائمة، فهي سلطانية قيد التحديث، إن جاز مثل هذا الاقتران لمفهومين متعارضين .

بأزاء الحكم السلطاني ، و على انقاض الملكيات الدستورية التي تأسست برعاية خارجية (بريطانية و فرنسية)، نشأ بالتدريج حكم دكتاتوري-وطني، بشكلين اسسيين، هما الحكم التسلطي العسكري و الحكم التوتاليتاري. و رغم الاختلاف النوعي بين هذين، فأنهما اشتركا في تقويض الفصل بين السلطات و الحكم بأسم شرعية ثورية-ذاتية. و لتفادي اللبس نقول ان النمط التوتاليتاري (Totalitarian) الشمولي، أي نظام الحزب الواحد – الأيديولوجيا الواحدة، نظام التعبئة الجماهيرية الحديثة، والدمج الكثيف للسلطات في تركيبة الحزب – الدولة، وسيادة حكم اللاقانون، أي الحكم الجزافي، المرتهن بإرادة الحزب – القائد . أما النظام التسلّطي (Authoritarian)، عسكرياً أكان أم مدنياً، فهو إذ يشترك مع النموذج التوتاليتاري في دمج السلطات، ومنع الأحزاب، وكبت حرية المعلومات، فإنه يختلف عنه في حياده الأيديولوجي وغياب عنصر الحزب الواحد . هذان الشكلان، السلطاني والتوتاليتاري، خلقا دولة مركزية حديثة، بدرجات متفاوتة من التحديث، نتيجة تباين نقاط انطلاقهما التاريخية، سواء في مجتمعات رعوية – قبلية، أو مجتمعات زراعية – حرفية، أو مجتمعات زراعية – تصنيعية (أي شكل جنيني من بدايات العصر الصناعي) .

في مجرى التطور، تعرّض هذين النموذجين، السلطاني والتوتاليتاري، بصيغ وأشكال شتى، إلى ضغوط أدّت إلى قدر من الانفتاح الليبرالي سياسياً، وقدر من الانفتاح الاقتصادي الليبرالي ، ما أدّى إلى تثلم الهيمنة الكلية االسابقة، فنشأ بذلك عنقود جديد من النظم السياسية، جرّ إليه دولاً سلطانية سابقة ( البحرين، واليمن، والمغرب، كما استعادت البحرين نظامها الدستوري البرلماني)، ودولاً توتاليتارية و/أو تسلطية سابقة (مصر، وتونس، ثمّ العراق بعد الغزو الأمريكي). هذا العنقود ينطوي، رغم الفوارق، على ما يمكن تسميته بمجموعة الإصلاح الجزئي، أو بتحديد أدق الفكاك الجزئي للاستبداد السياسي. و نلاحظ ان حركات الاحتجاج الأساسية اختمرت ونضجت في هذه المجموعة الأخيرة تحديداً، وهي تونس، ومصر، واليمن. لكن مؤثرات هذه الحركات سرعان ما انتقلت، لربما قبل الأوان، إلى عنقود الدول السلطانية (حركات الاحتجاج الأوّلية في عُمان والسعودية مثلاً)، وعنقود الدول التوتاليتارية/التسلطية (ليبيا، وسورية، حتى السودان لن تنجو من هذا المآل).

هذا الانتقال والانتشار هو من وجهة النظر التاريخية لعلم الاجتماع السياسي، سابق للأوان، بل محال تاريخي. والتفسير الأنسب لوقوع هذا السابق للأوان، هو أنَّ الرقعة العربية تشكّل حاضنة حضارية شديدة التفاعل، لا لجهة القرب الجغرافي فحسب، بل لجهة التداخل السياسي – الثقافي. ولعلها، في هذا الشأن، تشبه المآل التاريخي لأوروبا الشرقية، وأمريكا اللاتينية، خلال عقد التسعينيّات من القرن المنصرم . ونرى بوضوح أنَّ التزامن في الحركات ليس وليد مصادفة، كما أنَّ مبادرات بعض الدول (المغرب، والأردن) إلى مواصلة الإصلاح من فوق، يشكّل استجابة واعية لفهم هذا التفاعل والتداخل في المنطقة العربية.

؟ لقد سجلنا في المفتتح أن هذه الحركة هي حركة دمقرطة من حيث جوهرها واتجاهها، ولكن ينبغي أن نلاحظ أنها مناقضة لنظريات الدمقرطة كما اسلفنا .و غني عن البيان ان هذه المساجلة ستظل مفتوحة على النقاش .لكن السؤال الأهم هو هذا: ما الذي حصل على وجه التحديد في بلدان العنقود الثالث (عنقود الانكسار الجزئي للاستبداد السلطاني والتوتاليتاري) ليسمح بهذا الزخم الهائل من الفعل الجمعي لحركات اجتماعية هائلة اكتسحت جدران المعقل الكبير للدولة المكينة، وفرضت فتح النظام باتجاه تحول ديمقراطي، بصرف النظر عن نوايا الفاعل الاجتماعي المتعدد.

هل هناك فضاءات جديدة؟

في اوائل القرن التاسع عشر،جاب اليكسي دو توكفيل، سليل طبقة النبلاء المهزومة في الثورة الفرنسية، جاب اوربا و اميركا، و اكتشف بحدس المراقب و نباهة المفكر ان القرن التاسع عشر هو عصر الحرية، زحف الديمقراطية. خبر هذه الحقيقة في دراسته لعلاقة البشر في مجتماعاتهم بالسوق حيث حرية ابداع و انتاج الثروة و المعرفة، و علاقتهم بالدولة كممولين، دافعي ضرائب، يحاسبون الموظف العمومي على كل قرش مما ينفق، واتت الثورة الديمقراطية في عصره ثمرة الرفاه واعادة توزيع الثروة. و لم يدر في خلده ان اوربا ثم ملاحقها في المستعمرات، مهد الديمقراطية الحديثة، سوف تشهد ثلاثة تمردات كبرى تنقلب على الديمقراطية، بسبب المهانة القومية (المانيا النزية و ايطاليا الفاشية، و في روسيا بسبب الهوة السحيقة بين الثروة و الفقر، و في البلدان النامية، بسبب التوق الى الاستقلال. الاولى اعطت الاولوية للدولة القومية ولوحدتها و ماكنتها في العالم، و الثانية للمساواة الاجتماعية، و الثالثة للتحرر من الحكم الكولونيالي، كل ذلك قبل و فوق مطلب الديمقراطية. فأمان الوجود في الدولة، وحق الاغتذاء، و رفض الغريب، اولويات وجودية، ادت بأختلالها الى ضياع فكرة و مطلب الديمقراطية. لكن النصف الثاني من القرن العشرين، شهد موجتين متتاليتين نحو التماس النظام الديمقراطي، الاولى بعد الحرب الثانية في اوربا، و الثانية في تسعينات القرن العشرين، بموجة عالمية شملت اوربا، اسيا افريقيا و اميركا اللاتينية. و لم يلحق العرب بهذه الموجة الا نهاية العقد الاول من الالفية الجديدة. و رغم انهم صنعوا هذه النقلة بأياديهم، فأنهم حققوا ذلك في ظروف موروثة و معطاة من العالم المحيط. فالعالم الجديد مفتوح مثل الاواني المستطرقة على بعضه، بفضل الالة السحرية، الكومبيوتر و الساتالايت، الفضاء الالكتروني العابر للحدود، ناقل المعرفة و المعلومات، خارج اية سيطرة رسمية او عرفية، عالم السفر المتصل، و التفاعل الدائم، في زمان منضغط، و مكان يصغر، يختزل المعمورة على كوكب الارض الى حارة صغيرة. عالم يتغير فيه رؤساء الدول كل اربعة اعوام مقابل زعماء يلبثون على الكراسي حتى الهرم، جمهوريات وراثية، و ثروات مبددة، اعلام ملك الحكومات، و ثروات محتكرة، خرافة الجهل، و خنق العرفة. 

ورثت البلدان العربية كل الظاهرات المفتتة لاولوية الحرية الداخلية، الحريات السياسية الاولية، مثلما تمرغت في اوجاع المسرات المفقودة. لكن نصف قرن من التحديث الطوعي او خلافه، على مدى نصف القرن الماضي، فتت كل المفتتات المنائة للحرية السياسية.

ابتداء، نمت بفضل الركود المستقر اجيال جديدة من الطبقات الوسطى، منسلخة جزئيا عن تبعية السوق الحكومي (الدولة كرب عمل) بفضا اتساع نسبي لسوق العمل في اقتصاد السوق، على قوته في عنقود دول الاصلاح كما دول السوق المفتوح، و على ضعفه في الدول التسلطية – و كان الجيل الجديد من هذه الطبقة يعتمد على المعرفة، سلعته الوحيدة، و يحتك بأرقى اشكال تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات بالمعنى الخاص لهذه الكلمة بالقياس الى و المقارنة مع الجيل الخمسيني او الستيني، و هو اما مرفه بفضل اندماجه في الفروع المحلية للاقتصاد الكوني (وائل غنيم، احد ابرز قادة حركة الاحتجاج في مصر كان يعمل في هذا المجال) اومفقر، يحمل ذهنية و تطلعات الطبقات الوسطى، و لكنه يعيش واقع بروليتاريا رثة (حالة الجامعي بو عزيزي في تونس مثالا). هذا جيل لا ايديولوجي بمعظمه، بالمعنى المفترق عن الاجيال السابقة التي عاشت مرحلة الاستقلال او الحروب ضد اسرائيل، او التجارب الاشتراكية و التنموية لحل مشكلات التخلف الاقتصادي. هذا الجيل الجديد هورأس الحربة في حركات الاحتجاج، و لولا اتساع التعليم الحديث، و الاستقرار النسبي (رغم عفن الركود السياسي)، و انفتاح ااتفاعل الكوني، لتأخر الحراك الى اجل غير مسمى. و لولا الاجهزة السحرية الجديدة، الانترنيت، الهاتف النقال، ورسائل SMS لتفككت قيادات حركة الاحتجاج في بداياتها الاولى، فالتنظيم الجديد كان افقيا، بلا قيادات هرمية، و كان مساواتيا، الكل قائد و الكل منفذ، و كان لابثا في فضاء الكتروني عصي على النفاذ، و منيع على التعطيل (الا حيث يكون هذا الفضاء ملكا لحكومة تعسفية، لا للمجتمع، كما في سوريا). و كانت الشرائح الراديكالية التي تؤلف الجزء الاكثر فاعلية من هذه الطبقات متقدمة بما لا يقاس على سائر القوى السياسية المنظمة، جهة اليمين و جهة اليسار، رغم ضخامة امكانات هذه الاخيرة (كما هو الحال مع الاسلاميين)، التي دخلت الساحة متأخرة، ولم تكن المبادر بأي و كل حال. هذه الشريحة من جيل الطبقات الوسطى الحديثة، تميزت بحساسية جديدة، حيال انفلات الدولة ازاء المجتمع (التعذيب و القتل او الانتحار احتجاجاتراوح) . و لنلاحظ ان جيل الشباب دون سن الثلاثين في البلدان العربية غير النفطية (نستثني العراق)،هائل تماما، فهو يشكل بين 54 و 74 % في اعوطأ و اعلى نسبة في بلدان عربية مختارة. و رغم ارتفاع مستوى الدخل للفرد فأن الهوة او مستوى الفقر زادت او زاد (بين 60 الى 11% و النسبة الاخيرة من الاردن و هي مشكوك فيها).

• فقدان الشرعية

لعل اهم معلم يفقأ العين في هذه الدولة، اصلاحية كانت ام سلطانية ام توتاليتارية، هو تآكل الشرعية عند قطاعات واسعة من الشباب بالقياس الى الكهول بمن فيهم قادة الحركات المنظمة، التي بقيت في اطار عقلية الامر الواقع، و من جديد فهذا يشمل كل الطيف الايديولوجي. و الشرعية معلم حساس من معالم الحياة الحديثة، رغم ان اهتمام الفكر العربي بها موسمي و هامشي. فما من ادارة حكومية في العالم بقادرة على البقاء بقوة الاكراه، فلا بد من توليد قدر معقول من الرضى الاجتماعي. القيادات تعتمد على الكاريزما العرفية(مشايخ القبائل)، او الدينية (من طراز الخميني)، او الثورية العفوية (عبد الناصر)، او المصنعة (صدام حسين)، لكن الكاريزمات لا تعمر طويلا، فهي كائن غريب، يلتصق بشحص صاحبه، التصاق الحلزون بقوقعته، و يتعين غلى الوارثين ان يعتادوا العيش على مصدر آخر. فالكاريزما تدجن، تغدو روتينا، حسب ماكس فيبر، و ما من حل للمعضلة سوى اللجوء الى اشكال قانونية-دستورية للشرعية، اما البديل فهو الكذب و التزوير (على الطريقة الساداتية:»بطل العبور» و «الرئيس المؤمن»- الفاشل في الحرب فشله في السلام!). كانت الدولة في نظر شرائح متفتحة من هذا الجيل كائن غريب، وجوده هو استلاب رعاياه، مواطني الدرجة الثانية (مقابلات و حوارات مع نشطاء). و كان انغلاق المجال لسياسي و سيظل تعبيرا عن هذا الاستلاب، سواء جرى الغلق بمنع الاحزاب و منع الانتخابات، ام جرى بالتلاعب بها (حالة مصر) او بالتلاعب بالدوائر الانتخابية تعسفا، و لعل انخفاض نسب المشاركة من المؤشرات على قرف جماعي من انغلاق المجتمع السياس (الدولة) بما يشبه الطوائف الوراثية المغلقة في الهند (نظام الكاست Caste System)، حيث تكتسب حقوق الانتماء و الاقصاء بالولادة، حق بكورية اقطاعية من طراز جديد.

• الاقتصاد:

اكثر شرائح هذا الجيل كانت و ما تزال بحدود تحاول اما الافلات من ضيق السوق المحلي، او الوظائف المزرية عند الدولة، او الخروج من العطالة، بالهجرة الى ذوي القربى، في الخليج و الجزيرة، الى الابعددين، اوربا و أميركا . و الهجرة في علم الاجتماع هي احتجاج صارخ على اللامساواة، احتجاجا مضمرا على تركز الثروة، وعلى فشل الحكام ادراة الاقتصاد. لعل ثروات القادة المنظورة او المطمورة كانت من بين الاسباب المثيرة لقرف شرائح واسعة من هذا الجيل (مقابلت) . ثروات الرؤساء المخلوعين، حسني مبارك و شركاه، زين العابدين بن علي، و معمر القذافي ( تذكروا ليس لديه منصب رسمي- كان مجرد قائد) هي مثال فاقع على هذا الوضع، فهذه الثروات تتراوح بين ثلاثين الى سبعين مليار، بواقع مليار الى مليارين اجرا سنوي! ولا يقتصر الامر على تركز الثروة و راسمالية الاتباع- بل على شيوع اقتصاد البقشيش، المنفعة و الوظائف مقابل الولاء، و انسداد حتى فرص التعليم المتخصص، بخلاف ذلك (مقابلات). لكن كل هذا الانكباب على قروح الداخل، التي اسماها احد المفكرين العرب بأنها «عهر فاضح»، ابتداء من انتفاضة الخبز في مصر 1977، و حركات الاحتجاج الاقنصادي في تونس و المغرب و الاردن و الجزائر، ابتداء من عام 1988، و حتى 1990، في اطار ما عرف بانتفاضات الخبز، ما كان لها ان تنشب بهذا القدر من الحدة لولا التحولات في منظورات الثقافة السياسة. و هنا نأتي الى حزمة جديدة من مغذيات الاحتجاج العربي.

• المسألة القومية:

اشرنا في فقرة لجيل الجديد ان شرائحه التي قادت الاحتجاج كانت لا ايديولوجية (رغم وجود قطاعات مسيسة اسلامية او قومية او يسارية). لقد نقض هذا الجيل ايديولوجيا الحقبة الكولونيالية، وحقبة الحرب الباردة (1945-1991) التي أحاطت بمسار تطور الدولة الوطنية الحديثة، وأسبغت على صيرورة هذه الأخيرة طابع صراع خارجي، فكان الخطر البرّاني هو العنصر المحدّد لتصوّرات الجماعة القومية (الامة)، فالاستقلال انتزع، في جلّ الحالات، بوسائل العنف، وفي هذا يشترك المشرق والمغرب (الخليج هو الاستثناء الوحيد – عدا اليمن الجنوبي). العنصر الثالث في دفع النزوع القومي إلى رهاب الأجنبي (Xenophobia)، هو نشوء إسرائيل وبقاء الشعب الفلسطيني، حتّى اللحظة، أمة (جماعة وطنية) بلا دولة.

هكذا تركّزت النزعات القومية (Nationalism) (الوطنية المحلية والعربية العامة) نحو الآخر، وتعطل مكوّنها الآخر، الجوّاني، وهو التوجه نحو الذات، نحو الدولة لمساءلة قدرتها وكفاءتها في تمثيل االأمة. ولعل مناخ الحرب الباردة الذي ساد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتّى تفكيك الاتحاد السوفياتي عام 1991، أسهم في إذكاء الصراعات الدولية، وحبس النزعات القومية في إطار الصراع الدولي، الخارجي بطبيعته.

من هنا جاءت جلّ احتجاجات الحركات الاجتماعية، الأيديولوجية المنظّمة أو العفوية، متركّزة على قضايا صراع خارجي: الاستقلال، وحرب فلسطين، والحروب العربية – الإسرائيلية (1967-1973-1982 … إلخ)، أو حركات الاحتجاج على المعاهدات والقواعد العسكرية الأجنبية، أو استثمار النفط . لكن انهيار النظام الكولونيالي القديم، ثمّ انتهاء الحرب الباردة، قلبا المناخ الدولي، المحيط ببناء الأمم وتطورها. أما خفوت حدّة الصراع العربي – الإسرائيلي، بفعل تحوّله إلى مسؤولية فلسطينية أساساً، وعربية فرعاً (بعد أن كانت عربية أساساً، وفلسطينية فرعاً)، أتاح للنزوع القومي (Nationalism) (الوطني المحلي والعربي العام) أن يلتفت إلى بعده الداخلي.

لم تعُد الأمة تمنح الدولة تفويضاً مفتوحاً بإزاء الخطر الخارجي، ولم يعُد بوسع النخب الحاكمة أن تستخدم بفاعلية مؤثرة الخطاب الوطني الأحادي السابق، كمعطل للخطاب الديمقراطي، خصوصاً تلك التي أبرمت صلحاً مع إسرائيل أو عجزت عن تحرير الأرض وتقاربت أو انفتحت على الغرب. على المقياس التفاضلي المتدرّج، نجحت حركات الاحتجاج الجديدة، بمقدار تغلّب النزوع الوطني الداخلي، حقّ الأمة في بناء ذاتها بتوسط الدولة، على النزوع الوطني بإزاء الخطر الخارجي، أي انتصار تشوّف الأمة إلى فتح النظام السياسي، والتماس الديمقراطية، كوسيلة لتكامل الأمة والدولة. لكن حركات الاحتجاج تلكأت، أو أخفقت (لربما مؤقتاً)، بمقدار تغلّب فكرة الخطر الخارجي (المتخيّل- سوريا- او الحقيقي-البحرين). الانتقال اذن من مصادمة الاخر الى معاينة الذات، هو تحول صاغ سايكولوجيا الشرائح الواسعة من الجيل الجديد، ووسم حركة الاحتجاج كلها آخر المطاف. لكن ينبغي التذكير بأنه اذا كان تغيّر المناخ العالمي (انتهاء الحرب الباردة) قد أنهى النزوع إلى التدخلات المتبادلة لوأد أي تحول ديمقراطي، فإن المناخ الإقليمي و العالمي الراهن ما يزال ينطوي على عوامل مهدّدة، بدرجات متفاوتة، وبخاصة الفعل القادم من دول لاديمقراطية، إكليروسية، او ثيوقراطية .

•المؤسسة العسكرية: 

نجاح او اخفاق حركات الاحتجاج توقف و يتوقف على بنية المؤسسة العسكرية، و طابعها، و بالتالي موقفها من الصراع الدائر، و هي بنية متنوهة، و مواقف ممتباينة. فالمؤسسة العسكرية هي اكثر مؤسسات الدولة تأثرا بطبيعة النخبة، أهي كاريزمية، أم دستورية قانونية، أم هي قرابية/طائفية (أو حتّى جهوية). الحا فثمة جيوش سبه عائلية (سوريا العراق، ليبيا، واليمن، مثالاً)، مقابل الطابع الحرفي العام لهذه المؤسسات في بلدان أخرى (مصر، وتونس مثلاً). ومن هنا المنبع الأوّل لتفاوت موقف المؤسسة العسكرية من حركات الاحتجاج وسلوك هذه المؤسسة: المساندة، والحيدة، والانقسام، وهي تلاوين نابعة عن بنيتها. وينبغي أن نضيف إلى ذلك بعداً تاريخياً: علاقة الجيوش بأممها. هذه العلاقة متشابكة، متنوّعة، ولكن يمكن، ابتغاء التبسيط، أن ندرجها في نموذجين، التركي، والإيراني. في الأوّل، الجيش، وزعيمه الكاريزمي أتاتورك، هو مؤسس الدولة الحديثة. وفي إيران، الحركة القاعدية المدنية للمجتمع هي مؤسس الدولة الحديثة ما بعد البهلوية. ونجد مثالاً مقارناً لذلك بين حال تونس ومصر، مثلاً. هذه العلاقة التاريخية بين المؤسسة العسكرية وتأسيس الأمة – الدولة، تنبئ بأن حركة الاحتجاج المدنية تتسم بزخم أكبر وقدرة أعظم على التغيير في بلدان الحركة القاعدية، كما حصل في تونس، مقابل هيمنة المؤسسة على العملية الانتقالية (مصر). وتتعاظم صعوبات الانتقال بتلازم البعد التاريخي للجيوش في بناء الأمة، مع الطابع الفئوي لقيادات المؤسسة العسكرية، نتيجة تغلغل شبكات القرابة والولاء الحزبي اوالشخصي او الطائفي.

• التدخل الخارجي:

في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، اتجه الغرب الى الاهتمام بالاصلاح السياسي، والانفتاح الاقتصادي، وهو عنصر جديد في السياسة الخارجية، يهدف الى خلق بيئة عالمية تقوم على اقتصاد السوق، والديمقراطية السياسية، من دون ان تتخلى هذه السياسة الخارجية عن عناصرها القديمة: التوازنات الاستراتيجية وال مصالح الاقتصادية. ولا شك في ان هذه السياسة المزدوجة تخدم تطور حركات الاحتجاج من جهة، وتخدم، من جانب اخر مكانة وبالتالي مصالح الدول التي تنتهج هذه السياسة. وهناك دول تعمل في الاتجاه المعاكس (روسيا، الصين، وايران).

سعي الغرب الى مضاعفة الضغوط للاصلاح كوسيلة لما اسموه «تجفيف منابع الارهاب»، ما سمح بفتح ثغرات. هذا بوجه عام. اما خلال عمليات الاحتجاج، فنلاحظ ان الغرب تدخل بصيغ شتى: ضغوط سياسية لاجل الاصلاح (مصر)،عمل عسكري مباشر لتدمير النظام القديم (ليبيا)، دور تفاوضي مقرون بضغوط سياسية (اليمن)، مزيج من هذا وذاك (سوريا، البحرين).

• اشارات نحو فهم جديد للأنتقال الديمقراطي: 

الديمقراطية كائن غريب في اطواره. النبتة ترعرعت في الغرب و انتشرت مع انتشار اسواقه، وبوارجه و تكنولوجيته. هي ليست جنة التصالح والوئام، بل ساحة احتراب بالراي و الكلمة، بالعمل و الفعل. ما تزال النبتات الاولى للديمقراطية المولودة من داخل الفضاء العربي نوعا من « ديمقراطية بلا ديمقراطين» على حد تعبير عسان سلامة. مفكرو الغرب و ساسته يفكرون في المعادلة التالية: اقتصاد سوق=ديمقراطية، لكن الانفتاح الاقتصادي المصري، اعطانا تحالفا بين البزنس و الساسة، جعلها ديمقراطية بلا حريات. 

الديمقراطية لها اسس عديدة مترابطة بنيويا: الاساس الاول هو الفصل بين السلطات. هنا نجد نبتات تعدد مؤسساتي ما تزال جنينية في جل البلدان العربية، و لكنها واضحة في تونس و كصر. و الاساس الثاني انفصال انتاج الثروة عن الدولة، الاول مجتمع مدني، و الثانية مجتمع سياسي، و الجمع بين لسلطتين احتكار مدمر لفكرة وواقع الحرية. اقتصاد السوق ما يزال هشا بكل المقاييس، فالطبقة الوسطى تعتمد على الراتب لا الملكية، و رغم انها الان اوسه طبقة اجتماعية في مجتمعات المعمورة، الا انها مقيدة بوجه عام مع وجود استثناءات بالطبع. و الديمقراطية بحاجة الى شيوع فكرة القانون، في حين ما تزال الاعراف اقوى من القانون، و ما تزال فكرة ان الحاكم فوق القانون، او انه له وحده حق تفسير ماهية القانون، خصوصا مع ادعاء النطق باسم الشريعة. و الديمقراطية بحاجة الى مناخ اقليمي دولي راعي و حامي، في حين ما يزال عالمنا مسكونا يالمستبدين، ادعياء قداسة ام لابسو اردية ثورية. الديمقراطية الان تنعم بشرطين مفيدين: اولهما احتراب و انقسام المجتمعات بما يمنع التركز و الاحتكار، و هذا بالمناسبة اساس نشوء تقسيم السطات في اول بلد ديمقراطي في العصر الحديث، و نعني به انكلترا، حيث ادت الحرب الاهلية بين الملك والنبلاء و العوام (الطبقات الوسطى بلغة اليوم) الى التماس تسويات لتقاسم السلطة، التنفيذ للعاهل، التقضاء للنبلاء، و التشريع للعوام، بتاج و مجلس لوردات، و مجلس عموم. بتعبير آخر ولد تقسيم العمل من عجز هذه القوى الاجتماعية المتصارعة عن احتكار كل السلطات لنفسها بنفسها.

الاحزاب التي وصلت الى سدة الحكم اليوم بوسائل الاقتراع لا تمتلك شرعية ذاتية عبر الاستيلاء على السلطة باعنف السافر كما فعل العسكر، و استمرار الشرعية مرهون بحل المشكلات القائمة، و اولها الاقتصاد. ففي خاتمة الامر لا يقتات الناس على الايديولوجيا.

ان عملية الانتقال صيرورة مديدة ما تزال في اولها، و هي تشهد ميولا احتكارية متفاوتة الحدة، لكنها تشهد ايضا اعتراضا واعيا لا يمكن التقليل من شأنه. و لعل اتساع هذه الميول اقليميا باتجاه ايران في الاقل، و في الصين و روسيا ايضا، مستقبلا، سيولد زخما قويا في الاتجاه الصحيح، رغم انه ليس بالوسع في مجال العلوم الاجتماعية استبعاد حصول ارتدادات او حتى تقهقر حاد.

لندن في 20 كانون الاول(ديسمبر) 2012

اعيد تحريره في تموز (يوليو)2013

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة