ذكريات عن الشارع وأشيائه

فوزي عبد الرحيم السعداوي

-14-

مقاهي شارع الرشيد

في خمسينيات القرن الماضي لم يك هناك تلفزيون ووسائل الترفيه محدودة لذلك ازدهرت المقاهي في بغداد عامة وفي شارع الرشيد خاصة وبرغم ظهور التلفزيون آواخر الخمسينيات وانتشاره في الستينيات إلا ان أسبابا أخرى أكثر تأثيرا أبقت على دور المقهى كمكان اجتماعي، منها كون العراقيون اجتماعيون ويستهويهم الحديث والنقاشات.

 وقد دخل العامل السياسي بقوة لتصبح المقاهي وخصوصا بعضا منها مكانا لتبادل الرأي والنقاش في الأمور العامة بل وحتى للاجتماعات الحزبية، من أشهر المقاهي القديمة مقهى البلدية في منطقة الميدان قرب وزارة الدفاع تحتل مبنى قديم يبدو انه كان فندقا فيما مضى وقد قرأت مره انه في أوقات سابقة من ثلاثينيات القرن العشرين كان مسرحا لحفلات غنائية.

في وقتنا كانت البلدية مكانا يستخدمه الطلبة للقراءه خاصة أيام الامتحانات، وفي الباب المعظم يقع مقهى الآداب ذو الطابع الأدبي والسياسي والمقهى الآخر القريب مكانيا هو مقهى أم كلثوم الذي يرتاده هواة فن أم كلثوم، وقد أغلق وحل محله مقهى بنفس الاسم قرب سوق الهرج على بعد عشرات الأمتار من مقهى أم كلثوم يوجد مقهى الزهاوي وهو مقهى اجتماعي كان مكانا للقاء شخصيات مهمة في المجتمع، فى الجانب الآخر من شارع الرشيد وباتجاه الحيدرخانه قرب كعك السيد كان مقهى عارف أغا ملتقى سياسي وأدبي وكنت أحد رواده الدائميين ومن رواده الشاعر عبد الأمير الحصيري الذي كان المقهى محطته النهارية قبل ان ينتقل مساء إلى شارع أبي نؤاس، كان الحصيري شبه مشرد وقد حاول كثيرون ثنيه عن نموذج حياته المتمثل بالشرب المبالغ فيه يوميا ومن هؤلاء كان الراحل عامر عبد الله الذي وفر له فرصة عمل كمصحح لغوي، لكن ذاك لم ينجح، تم هدم البناية في النصف الثاني من السبعينيات.

في الجهة المقابلة لعارف أغا هناك مقهى حسن عجمي و طابعه العام أدبي ومازال قائما برغم تداعي بناءه

بالقرب من شارع المتنبي يقع مقهى البرلمان وهو مقهى كبير ذو طابع اجتماعي.

في الحيدرخانه كان هناك مقهى القيسي الشهير بشخصية صاحبه ذو العلاقات الاجتماعية الواسعة ومنها معرفته الشخصية بالزعيم عبد الكريم قاسم حيث كانا يتبادلان التحية عند مرور الأخير قرب المقهى

في ساحة الأمين (الرصافي حاليا) وفي الفرع المؤدي إلى مدرسة التفيض هناك مقهى صغير بعيد عن العيون كنا وبعض الزملاء نستخدمه في لقاءاتنا السياسية، أما في الساحة ذاتها وباتجاه شارع الجمهورية قرب كراج الكوت سابقا فهناك كهوة صاحب وطابعها العام دراسي حيث تكتظ بالطلبة غالب الأوقات وخصوصا طابقها العالي.

قرب ساحة الأمين وبداية شارع الرشيد يقع مقهى أحمد فتاح ملاصقا لمحلة الدشتي وهو ذو طابع اجتماعي مع استخدامه من الطلبة للقراءة، وفي منطقة المصارف نهاية شارع النهر يقع مقهى التجار واسمه يدل انه ملتقى التجار، في عمق سوق التجار وباتجاه المدرسة المستنصرية يقع مقهى وجامع تم غلقه مؤخرا واعتباره مكانا دينيا، على بعد عشرات الأمتار وعلى مقربة من النهر هناك مقهى عبود وهو أيضا مخصص للتجار

اذا رغبت ان تعبر من المدرسة المستنصرية إلى المتنبي فانك ستكون أمام مقهى الشابندر وطبيعة رواده ترتبط بزوار شارع المتنبي.

في الطريق إلى الباب الشرقي وقرب حافظ القاضي وفي زقاق يؤدي إلى النهر يقع مقهى شط العرب الذي يرتاده الطلاب للقراءة مع شيء من الاهتمام بالسياسة لرواده، تمضي أكثر للأمام وعلى الشارع مباشرة هناك مقهى البرازيلية الشهير ذو الطابع الأدبي، في الجانب الآخر من الشارع وقرب سينما الزوراء يوجد مقهى المربعة وهو مقهى للعب الطاولة والدومينو، في نهاية شارع الرشيد مقابل فرع سينما الخيام كان يوجد مقهى أبو فاتح وطابعه سياسي حيث كان ملتقى لليساريين بشكل خاص.

باب الأغا  -15-

هو الزقاق الذي عشنا فيه فترة الخمسينيات من القرن الماضي وجزءا من ستينياته وأذكره هنا كونه من أشياء شارع الرشيد ولنقل صورة عن بغداد  ذلك الوقت وعن البيئة التي عشناها،  باب الأغا زقاق ضيق يبدأ من شارع الرشيد مقابل سوق الصفافير ويؤدي في نهايته إلى شارع الجمهورية حيث يتكون من مجموعة من البيوت على الجانبين، أهم ميزة لسكان الزقاق هو تنوعهم كتنوع العراق، يبدا الزقاق ببيت عبد الخالق الصفار يليه بيت عائلة أتذكر ان ابنهم سمير كان معي في الابتدائية بعد ذلك بيت شخص أعزب يتخذ البيت كمخزن تجاري أيضا، يليه بيت عائلة من أصول سامرائية جاءت هاربة من الفضل بسبب شيوعيتهم، يلي هؤلاء ببت أم خالد وهم من أرياف بعقوبة .

بعد خطوات يقع بيت المعاون وهو ضابط شرطة عازب يليه بيت أم عزيز المصلاوية، في الجانب الآخر ومقابل أم عزيز تسكن أم عباس ونسميها مرت الجابي وهم عائلة نازحة من العمارة يليها بيت عائلة أتذكر ابنهم  لطفي كان صديقا لأخي، على مقربة من بيت أم عباس يقع بيت عائلة قيل انهم من أصول هندية وابنهم صباح كان ممثلا وقد أكتشفت ذلك بالصدفة أثناء مشاهدتي عرضا لمسرحية ” ايراد ومصرف” للفنانة ناهدة الرماح.

بعد بيت الهنود هناك فرع يؤدي إلى عكد الجام في مقدمته بيت عائلة من أصول ايرانية ولدي العائلة كانوا أصدقاء اخوتي وكان لدى أبوهم محل للساعات في ساحة الوثبة، بعد الفرع هناك مايشبه الزقاق لكنه مغلق تسكنه عائلة صابئية كنا نسميهم بيت محروسة وهو اسم ابنتهم، بعد أمتار يقع بيت أم عزيز اليهودية وهي إمرأة عزباء مسنة تعيش وحدها مع خادم اسمه كريم، الدار الملاصق لدارها هو بيتنا وهو بيت كبير استأجرناه من دائرة الأموال المجمدة المسؤولة عن الأملاك والعقارات التي اضطر أصحابها اليهود إلى تركها، بشكل ملاصق لبيتنا سكنت عائلة الضابط الرئيس (رتبة في الجيش العراقي تعادل النقيب الآن) وهو شخصية اجتماعية فعال عرف بحبه للناس وقد ظهر بعد ثورة ١٤ تموز انه شيوعي، السكن كان عبارة عن شقة وقد كان غير مألوف سكن العوائل في شقق.

يجاور الشقة محل نجارة يعود لصاحب الملك الذي يشمل الشقة، بعد محل النجارة بيت أم حسقيل وهي عائلة يهودية مسالمة جدا رفضوا الهجرة لإسرائيل وتتكون عائلتهم من ثلاثة أولاد هم حسقيل وحاييم وعبد وإبنة واحدة اسمها لويزا، كنا الوحيدين الذين لهم علاقة بهم وذلك عن طريق السطح حيث كنا نتبادل الحديث مع الأولاد، من سخرية الاقدار ان يلاصق بيت أم حسقيل بناية تستخدم للاجئين فلسطينيين وقد حدث مرة ان حاول بعض الفلسطينيبن الاعتداء على بيت أم حسقيل فتصدى لهم جارنا الضابط الشهم جميل أحمد فخري مستخدما مسدسه لردع المعتدين.

كان للبناية حارس اسمه فليح (ابو عبود) وزوجته رداعه ولهم ولد اسمه عبود وبنت اسمها صبحة، كان أبو عبود وزوجته ينامون في عربانة خلال الصيف وحيث ان الزقاق منحدر فعندما حاول مرة أبو عبود ان يغازل زوجته تحركت العربانه وفقد ابو عبود السيطرة على العربانة وبسبب الضوضاء التي أحدثتها حركتها  وهي تنحدر بسرعة استيقظ ساكني الزقاق على هذه المقلب المضحك، كانت صبحة أكبر مني وهي تحب الزعيم قاسم شأنها شأن الغالبية من الناس فيما أمها رداعة تحرص على لبس ثوب ملييء بحمامات السلام، صعدت يوما مع صبحة إلى السطح العالي لتريني شيئا مهما فنظرت للسماء وقالت: أنظر ماذا ترى؟ قلت لا أرى شيئاً قالت: كيف  هي ذي صورة الزعيم، أصرت انها ترى الزعيم إلى ان خضعت وتصورت اني أراه

لم أذكر كل بيوت الزقاق وركزت على مايهمني اضافة إلى اني نسيت بعضها.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة