لا تقل أهمية الثقافة والمثقف عن الجندي والمؤسسة العسكرية، فكلاهما يحاربان في سبيل الحرية والأمن والسلام. لكن الدولة ونتيجة للسياسة الاهمال المتعمد والعداء التاريخي بين السياسي والمثقف، تم جعل المثقف في أقصى الهامش، من جميع النواحي. ففي الوقت الذي تنفق الدولة، نسبة كبيرة من موازنتها العامة للجانب العسكري، نجد أنها تخصص الفتات واليسير من الأموال للثقافة، أغلبها يذهب كرواتب لمنتسبي وزارة الثقافة، وإلا، كيف نفسر عدم وضع طابوقة واحدة في بناء لجهة أو مؤسسة ثقافية؟ كيف نفسر التردي الكبير والعميق في المؤسسة الثقافية، نتيجة الاهمال من قبل المؤسسة التشريعية والتنفيذية. المثقف، رغم أحقيته في أخذ دوره الحيوي والمهم في الحياة العامة، تراجعت أحلامه، وتقهقرت طلباته إلى أمور بسيطة لا تكلف الدولة شيئا، وهي طباعة منجزه الذي أنفق أجزاءً من روحه وفكره ووقته، لكتابته، يحتاج إلى من يكرم ذلك الجهد عبر طباعته ونشره وتوزيعه بين القرّاء. والطباعة لا تحتاج إلى أموال وتخصيصات كبيرة على غرار بعض الحقول التي تستنزف من خزينة الدولة مبالغ طائلة دون مردود فعلي. الدولة بمؤسستها اليتيمة المكلفة بطباعة الكتب، غير قادرة على استيعاب الكم الكبير من المؤلفين الذين لا يملكون القدرة المادية على طباعة كتبهم على حسابهم الشخصي، فيلجؤون الى دار الشؤون الثقافية، لعلهم يحظون بفرصة طباعة كتبهم في الدار، ولكن، وبسبب اهمال الدولة بشكل عام للثقافة ولطباعة الكتب بشكل خاص، لا تستطيع تلك الدار، احتواء ما يصلها من كتب، التي قد ينتظر أصحابها سنين عديدة دون جدوى. ما دعاني لكتابة هذا العمود، هو منشور للناقد والكاتب ياسين النصير، الذي شكى من بقاء كتاب له مدة خمس سنوات في رفوف الدار، دون أن يطبع، في حين أن كتابا أخر له، طبع في مصر وعلى حسابهم، خلال مدة قليلة. فهل يعقل أن تعامل الدولة مثقفيها بهذه الطريقة من الاهمال المتعمد؟ من المؤكد أن إجابة الدار عن سبب تأخر طباعة الكتب لديها هو قلة التخصيصات المالية، فهل يحتاج الكتاب الى تخصيصات مالية كبيرة لا تقدر عليها خزينة الدولة التي تملؤها واردات النفط والموانئ والضرائب والمنافذ الحدودية ووووو ، لا تستطيع رفد دار الشؤون الثقافية بمبالغ تمكنها من طباعة ما يصلها من كتب؟ إهمال الكتاب يعني إهمال الثقافة وإهمال المثقف، يعني الانتصار للجهل والخرافة. وإذا كان كاتبا بمنزلة وأهمية النصيّر يتم تجاهله من قبل الدولة، فكيف بالكتاب الشباب والذين لا يملكون إمكانية المطالبة بحقوقهم أو التعبير عن آرائهم بسبب الاهمال؟ لعل اتحاد الادباء يتحمل جزءا من المسؤولية، كونه يمثل الادباء أمام مؤسسات الدولة، فهو مطالب بأن يشكل وسيلة ضغط على البرلمان والحكومة لمنح مخصصات مالية كافية لطباعة كتب الادباء التي أصبحت أقصى ما يطلبه المثقف من الدولة، رغم أنها أبسط حقوقه.
سلام مكي