الآيديولوجيا والإبداع

ريسان الخزعلي

يتردد بين حين وآخر في الوسط الثقافي قول ٌ يشير الى أنَّ « الآيديولوجيا تضرُّ بالإبداع والمبدع « ومثل هذا القول يبقى عليل الصدق والمصداقية كونه لا يستند الى مراجعة دقيقة لكشوفات علوم الجمال وتحليلات النظريات النقدية وما آلت اليه تحولات المدارس الادبية والفنية ؛ كما أنه ُ لا يخلو من تشويه وتشويش بقصديّات معروفة تحاول أن تجعل من المبدع فرداً في مجتمع وليس فرداً من مجتمع ، مع أنَّ الفرق واضح بين التوصيفين ، فحينما يكون فرداً في مجتمع ، فإنَّ هذا يعني حالة من (الطواف ) ..، في حين عندما يكون فرداً من مجتمع ، فهذا يعني حالة من ( التواشج والالتصاق).
الآيديولوجيا صورة للحب المادي والفكري والروحي ، وطريقة في التفسير والتعامل مع الوجود الانساني ، وبدون هذا الحب لا يستطيع كائن مَن كان أو يكون أن يكشف اساريره لمن يحب ، ولماذا يحب ؟ كما أنَّ الآيديولوجيا لا تعني التحنيط في مساحة واحدة ضيّقة على الاطلاق .
فحينما يكون الانسان منحازاً لآيديولوجية ٍ ما ، لا بدَّ له أن يتفاعل تطابقاً أو تعارضاً مع الآيديولوجيات الاخرى كي يصفو ويتجوهر في قناعاته ، وينشغل بالتوازيات المعرفية من أجل تمرين وتطويع الوعي على مراودة أُفق القبول والرفض. من هنا يكون الانحياز الآيديولوجي كشفاً وليس انغلاقاً ، وحينما يتعلق الأمر بالمبدع فإنَّ الانحياز هذا يكون اضافة نوعية لمدركاته الابداعية .
إنَّ الضرر الذي سيلحق بالمبدع المنحاز آيديولوجياً لا يتحقق الّا اذا كان غير موهوب ابداعياً وليس بذي تجربة عميقة وثقافة شاملة . وعند المراجعة للسجل الابداعي ، يمكن القول : هل أضرّت الآيديولوجيا بإبداع بابلو نيرودا ، أراغون ، ايلوار ، ناظم حكمت ، كَامو ، السياب ، النوّاب ، وغيرهم الكثير ؟ ..، وما اذكره هنا للمثال والإشارة الدّالة وليس للحصر. وفي استفهام ٍ آخر ، ألم يكن معظم البنيويين – وهم الذين أحدثوا هزّة في الفكر النقدي والاجتماعي – قد كانوا من تكوين وانحياز ماركسييَن ؟ . من هنا يبدو القول بأنَّ ( الآيديولوجيا تضرّ بالإبداع والمبدع ) منكشِف للفضاضة والتسطيح ، حيث يُراد منه أن يكون المبدع كالكرة المرمية على قارعة الطريق يعالجها مَن يشاء وفي أي اتجاه يرغب من دون رؤية الهدف وتحديده . وأرى أنَّ المنشغلين بهذا القول ، وفي العراق تحديداً ، يتناسون فكرة الطبقية وبعدها الاقتصادي وكذلك الانحياز الطبقي وبعده الانساني النضالي ؛ انهم يتململون من ابداعات الادباء ذوي الميول والاتجاهات اليسارية ، في الوقت الذي نراهم يشعلون كلامهم يساريّة ً في التداول الشفاهي اليومي ، وحين يكون الحديث عن المنجز الابداعي / الآيديولوجي فإنهم يلصقون به صفات التراجع الفني متناسين اشتراطات النقد والتحليل ، ومتناسين كذلك الوعي الآيديولوجي كونه الجذر الأعمق – مع جذور أخرى – لشجرة الابداع ..، ومَن يُحاول أن يقلع هذا الجذر ، سوف يجمع نثار الورق اليابس .
إنَّ عودة ً للمنجز التنظيري العالمي ومدارس علم الجمال سترينا تنظيرات متنوعة في / عن : الفكر والاداب ، الشعر والآيديولوجيا ، الفن والانحياز الطبقي ..الخ …

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة