يطلب بعض الأصدقاء في فيس بوك الدعاء والابتهال إلى الله تعالى من أجل شفاء مرضاهم،بعد أن أصابهم اليأس من علاج الأطباء وتردي المستشفيات،في بلد غني بلا تأمين صحي ولا تأمين على الحياة،وكان من الأوجب أن ندعو لشفاء وطن بكامله يعاني من أمراض السياسة ومضاعفاتها الخطيرة،وذلك ما جعلني أردد أبيات العاشق قيس بن الملوح(مجنون ليلى) التي أطلقها زفرات حارّة قبل نحو ألف عام:
يقولون ليْلى بالْعِرَاقِ مَريضةٌ فَمَا لَكَ لا تَضْنَى وأنْتَ صَديقُ
سقى الله مرضى بالعراق فإنني على كل مرضى بالعراق شفيق
الوطن المريض يعاني من فساد السياسة،وهناك أعراض مزمنة عديدة في مجالات الاقتصاد والأمن والخدمات،ومن ضمنها الواقع الصحي،الذي يلامس حياة الناس مباشرة،وقد سرني أن أجد ومضة ضوء،في هذا المجال، فما زال الخير مثمراً،في أرض السواد،ومن تلك المبادرات الجميلة التي أدخلت السرور إلى قلوب الكثيرين،وأنا منهم،الإعلان عن تأسيس(شبكة الإعلام الصحي العراقي) من قبل أطباء ومثقفين شرفاء،وهي شبكة تعنى برصد التطورات ومتابعة الأخبار والتقارير ونشر المعلومات بهدف إشاعة الثقافة الطبية والصحية في عموم المجتمع،من أجل تحسين الحياة،وإيجاد مساحة للحوار والتفاهم بين الطبيب والمريض،ومعالجة الظواهر السيئة التي تشوب العلاقة بين الطرفين، من دون تحيز أو تضليل!
انتهزت هذه الفرصة لتوجيه تحية خاصة إلى مدير الشبكة صديقي الدكتور ستار السامر،لمبادرته الرائعة بإنشاء هذه الشبكة المهمة وإدارتها التي تحتاج الى الكثير من الجهد الاداري والإعلامي بهدف نشر التوعية الصحية والطبية في المجتمع، وأعتقد ان من الموضوعات المهمة التي ينبغي التوعية حولها هي تلك العلاقة الشائكة بين الطبيب والمريض.. وكيف ينبغي أن تكون!؟
كنت قد نشرت موضوعات عدة، من وجهة نظري كمواطن، بينت فيها أن هذه العلاقة تعاني من سوء الفهم، وهناك تذمر متزايد لدى الناس حول ارتفاع اسعار الخدمات الطبية، والمبالغة في الأجور والاتهامات الكثيرة حول فشل المستشفيات الحكومية وضعف تقنياتها وأجهزتها،وتقصير العاملين فيها، وغيرها من الأحاديث المريرة التي يتداولها عامة الناس يومياً بحسرة وألم!
إن من واجبات الإعلام الصحي طرح الحقائق أمام الجمهور والتوعية وتوضيح الحقائق وتحديد التقصير واقتراح المعالجات والحلول بدلاً من تبادل الاتهامات، ولعل من المفيد دعوة الأطباء الى سرد آرائهم وتجاربهم وخبراتهم ومقترحاتهم عبر الشبكة من أجل حوار بنّاء لتحسين الواقع الصحي، ومن المهم الاستماع الى آراء الناس وتفهم معاناة المرضى وذويهم وتحسين الصورة النمطية السلبية التي الصقت بهذه المهنة الانسانية!
ليس من مصلحة المجتمع الطعن في مهنة الطب أو الإساءة الى الطبيب، وما زلت أعتبر أن الحفاظ على الكفاءات الطبية وتقديرها مادياً ومعنوياً يسهم في إنقاذ حياة الكثيرين ويخفف آلامهم، وبخاصة أن العراق يعاني من نقص هائل في عدد الاطباء،فليس من الصحيح ان نخسر طبيباً واحداً يغادر العراق في ظل هذه الظروف الصعبة، وأن من الحق أن نشجع من يعمل في الخارج على العودة الى بلده والإسهام في معالجة أهله، من خلال توفير الظروف المناسبة للعمل الطبي الرصين،أما قرار البرلمان الأخير بتخفيض سن التقاعد للطبيب فهو كارثة سوف يتحمل وزرها فطاحل السياسة المريضة!
د. محمد فلحي