فضيحة التجنيد الالزامي

تعد موضوعة التجنيد الالزامي وما رافقها من اصرار لدى ممثلي هذه الطبقة السياسية التي ابتلت بها مرحلة ما يفترض ان عنوانها الاساس هو (العدالة الانتقالية)؛ عينة انموذجية لفك طلاسم هذه الكتل وتشريح انسجتها ونوع وظائفها وما يسكن جماجم مخلوقاتها، من هموم واهتمامات “تخوط ابصف استكان” هذه المرحلة اليتيمة. بكل اصرار وثبات يحسدون عليه عادوا لبعث الروح بهذا الملف التراجيدي في تاريخ العراق الحديث، حيث تناقلت وسائل الاعلام خبر فزعة هذه الجماعات وممثليهم في لجنة الامن والدفاع النيابية لتفعيل واقرار قانون التجنيد الاجباري في المرحلة المقبلة. بالنسبة لي شخصياً تناولت هذا الموضوع أكثر من مرة، كذلك تناولته العديد من الكتابات الجادة والمسؤولة، ومنها من طرف متخصصين لا يتناطح في خبرتهم العسكرية والامنية كبشان، فالخبير العسكري الفريق المتقاعد وفيق السامرائي قدم ملاحظاته الدقيقة التي تضمنت اربعة عشر نقطة تطيح بحجج وذرائع المتمترسين خلف هذه الفزعات البائسة، وهي ملاحظات بمقدورها تجنيب من رمتهم الصدفة لأعلى سلطة تشريعية ورقابية في البلد، من اطلاق تصريحات ومعلومات غير صحيحة مثل قول احدهم: “الخدمة الاجبارية معتمدة لدى جميع الدول” وغير ذلك من تطفل على حقول ومجالات بعيدة عن همومهم كل البعد.
لقد اشرنا مرارا وتكرارا الى ما يتجرعه سكان هذا الوطن المنكوب، من هذه الطبقة السياسية بكل عناوينها وبيارغها، ومن عجزهم عن معاقبتها عبر الوسائل “الديمقراطية” وصناديقها المرتهنة لدى حيتان حقبة الفتح الديمقراطي المبين ومفوضيتهم “المستقلة”، وعن دهاء هذه الطبقة وقدراتها غير المحدودة في دفع الحشود المغيبة عن قضاياها الحقيقية، الى دوامة من المتاهات والاهتمامات الزائفة، ولنا في هذه العينة “التجنيد الاجباري” مثالاً انموذجياً على هذا النهج المميت والمتنافر وحاجات العراقيين حاضرا ومستقبلا من القوانين والتشريعات، التي تسترد لهم شروط الحياة الآمنة والمستقرة، بعيدا عن ذلك الارث الاهوج والعقليات المثقلة بسموم وفضلات الرسائل الخالدة والعنتريات الفارغة. البعض منهم يدعي بان “التجنيد الالزامي له أهمية في اعداد الشباب وتأهيلهم لمواجهة التحديات” بالله عليكم من منكم بمقدوره فك طلاسم التحديات التي اشار لها هذا المشرع، والتي يشاركه فيها غالبية أعضاء مجلس نوابنا العتيد؟.
عندما نستمع أو نشاهد أو نقرأ شيئا يتعلق بهذا الموضوع، ومن قبل ممثلي الكتل المتحمسة لاقراره، وبنحو خاص ما يتعلق بالقدرات السحرية لهذا القانون، والذي سيضع حد لكل مآسينا واوجاعنا وهزائمنا المزمنة؛ اتذكر وبشكل لا ارادي العبارة التي قرأتها يوماً على واجهة أحد الدكاكين قرب مقام السيدة زينب في الشام “الحجامة دواء لكل داء” لأن ما يتم طرحه من قبلهم حول هذا الاكسير العجيب “التجنيد الاجباري” مماثل ولن نجافي الموضوعية، ان قلنا مطابق لفعل الحجامة؛ فهو علاج لمرض التشرذم الوطني، وحل جذري لمشاكلنا الاقتصادية المزمنة وعلى رأسها البطالة، كما انه يستأصل كل ما له علاقة بـ “ميوعة” الشباب ويعيد اليهم حماستهم لاناشيد “شوكت تهتز الشوارب” وغير ذلك الكثير مما تفتقت عنه مخيلات نجوم هذه الحقبة المأساوية في تاريخ العراق الحديث. اخيرا ما الذي يمكننا فعله أمام مثل هذه المخاطر ومشاريع القوانين، عندما تطلق علينا من المؤسسة والسلطة العليا في البلد، والتي حملها الدستور مسؤولية انتشال هذا البلد من ارث ذلك النظام وفضلاته العقائدية والقيمية المنحطة..؟

جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة