في الوقت الذي تؤكد فيه محكمة قضايا الموظفين أن مكاتب المفتشين العموميين، لا تملك صلاحية التحقيق الاداري وفرض العقوبات الانضباطية بحق الموظفين استنادا لأحكام المادة 10 من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 كون ان هذه المادة نصت على تشكيل لجنة بقرار من الوزير المختص أو رئيس الدائرة غير المرتبطة بوزارة مؤلفة من ثلاثة موظفين على أن يكون أحدهم حاصلا على شهادة القانون. وحيث لم تعدل هذه المادة أو تلغى لحد الآن، فبالتالي لا يوجد سند قانوني لقيام مكاتب المفتشين العموميين في الوزارات والدوائر الحكومية بفرض عقوبات انضباطية بحق موظفي الوزارات، وهذا المبدأ نص عليه قرار المحكمة الادارية العليا رقم 77/2018 في 21/7/2018. وعليه فإن جميع القرارات التي تصدر من قبل تلك المكاتب، مصيرها الإلغاء. والغريب أن محاكم التحقيق المختصة بنظر قضايا النزاهة، مازالت تخاطب تلك المكاتب لغرض إجراء التحقيق الاداري مع الموظف المحال إليها، ويتم الاعتماد على تلك المحاضر في تقرير مصير المحالين إليها، من دون الالتفات إلى أن هذا الاجراء غير أصولي ولا سند له من القانون.
والمشكلة أن إلغاء العقوبة الانضباطية من قبل محكمة قضاء الموظفين ليست قرينة ولا يعتد بها من قبل محكمة التحقيق في قرار الإحالة أو الاغلاق. وهذا الاصرار على منح سلطات لمكاتب المفتشين العموميين لا وجود لها في القانون، نجده أيضا الحكومة، تسعى لترسيخ وجود تلك المكاتب، من خلال استحداث مكاتب جديدة في دوائر مختلفة، برغم الاعتراضات الكثيرة، من قبل بعض الكتل السياسية، إضافة إلى أن مجلس النواب، يسعى لإلغاء تلك المكاتب من خلال التصويت على إلغاء الأمر 57 لسنة 2004 الخاص بعمل تلك المكاتب. إن الاعتراض على وجود تلك المكاتب، يأتي من كون أن التشريع الخاص بها وهو الأمر الصادر في زمن سلطة الائتلاف المؤقتة، أي قبل تشكيل الحكومة المؤقتة، لا ينص على التحقيق مع الموظف وإحالته الى القضاء، ولا ينص على الاستغناء عن الرقابة الذاتية للإدارة التي منحها القانون حق التحقيق مع الموظف وإحالته الى القضاء أو الاكتفاء بالعقوبة الانضباطية بحقه، أو غلق التحقيق نهائيا بحقه. إن مكافحة الفساد تحتاج الى ركيزة قانونية ناضجة يركن إليها من قبل الجهات الرقابية، في محاسبة الموظف المشتبه بتجاوزه على المال العام، أما ما يحصل الآن من عدم قدرة على الثبات على نص قانوني أو الاكتفاء بجهة رقابية واحدة هي التي تتولى إجراء التحقيق الاداري والتفتيش والرقابة واستحداث جهات جديدة لمكافحة الفساد، كله جوانب تسهم في اتساع رقعة الفساد في دوائر الدولة، وتساعد على الاكتفاء بمحاسبة الموظفين الصغار وعدم محاسبة كبار الموظفين. وإن أسهل الحلول واهمها هو اللجوء الى جهاز الادعاء العام بوصفه صاحب الاختصاص الأصيل في مكافحة الفساد والاستغناء عن أي جهة أخرى.
سلام مكي