ليس ثمة نزاع على وجه الارض اكثر فظاعة من النزاع على ارض اليمن، ليس في فداحة الخسائر المادية والعمرانية والبنى التحتية للمدن الكبرى بل وفي الموت اليومي الجماعي للمدنيين هناك، وعلى مدار الساعة يثير المتابعون ليوميات هذه الكارثة اسئلة عن حقيقة ما يجري وما اخبار ومصائر المبادرات الدولية لوقف الحرب التي باتت حربا بالنيابة بامتياز.
هذا ما يحدث في تلك البلاد الآن.. انها حرب اهلية كلاسيكية: الكل يحارب الكل.. الحوثيون يحاربون الجماعة الارهابية المسلحة «داعش» وكلاهما يحاربان الدولة التي تخوض حربا ضروسا ضدهما معا وفي وقت واحد بوسائل الاستقواء المستعارة من وراء الحدود، لكن الشيء الآخر الخطير الذي تطرحه الحرب اليمنية يتعلق بالحرب نفسها كوسيلة لحل الخلافات، او وسيلة للوصول الى السلطة، في وقت دخل العصر مرحلة بدت كما لو انها فتحت الافاق نحو الطريق السلمي البديل للعنف، الاحتجاجات. العصيان المدني. المفاوضات. التعبئة الشعبية، كمعبر آمن الى التغيير.
واللافت هنا بأن الازمات اليمنية الدورية تنطلق من نقطة غامضة ثم لا تلبث ان تشغل العالم بوصفها قدرا أو كابوسا، لكأن الهدهد ما يزال يخاطب سليمان حتى اليوم «وجئتك من سبأ بنبأ يقين» ومعلوم ان فريدريك انجلز سجل ــ عن اليمن ــ منذ ما يزيد على مائة وخمسين عاما في رسالة الى كارل ماركس انه كان «يكفي ان تنشب حرب واحدة حتى يتم اخلاء البلد من سكانه» ووصف ما يحدث من اضطرابات غامضة هناك بالقول «ان تدميرا مباشرا وعنيفا يجري الى درجة لا يمكن تفسيره الا بالغزو الحبشي».
في غضون ذلك اكتشف الكثيرون وصفة «سحرية» لتأويل حروب غير عادلة، لا أخلاقية، أو لا داعي لها، وفي الغالب تكون النزعات المغامِرة واجهة للعنجهية والطموحات الشخصية المفرطة والمريضة، لأنها تهيء الاسباب الواهية للكثير من الحروب. كاليغولا، كان يقول: «أريد الحصول على القمر. أغرق السماء في البحر. أمزج الجمال بالقبح. أصدرُ مرسوما بتعيين حصاني رئيسا لمجلس الشيوخ» فيما عدّ صدام حسين الحرب بوصفها «كونه» يثبت خلالها قوته وتفوقه، أما المركيز دي ساد (أبو السادية) فقد قال: كي يكون المرء محاربا فتاكا، ولا أخلاقيا، فان عليه ليس الانغماس في فعل الشر، بل عدم السماح لنفسه بارتكاب فضيلة واحدة.
الاقوال في الحرب كثيرة، واطرفها قول جورج ارويل بان «أ سرع طريقة لإنهاء الحرب هي أن تخسرها» أو قول ويلز « في الحرب يُكثر اللصوص, وفي السلام يشنقون» وحكمة أجاثا كريستي القائلة «الانتصار في الحرب مشؤوم مثله مثل خسارتها» وقول فولتير «ليس القوي من يكسب الحرب دائما، إنما الضعيف من يخسر السلام دائما» والشاعر بول فاليري في قوله «الحرب مجزرة تدور بين أناس لا يعرفون بعضهم البعض لحساب آخرين يعرفون بعضهم البعض ولا يقتلون بعضهم البعض» وحكمة جون مل ستيوارت «الحرب شيء سيئ، لكن الشعور بأن لا شيء يستحق القتال من أجله هو أسوأ بكثير» اما اينشتاين فقد كان يقول «لا أعلم بأي سلاح سيحاربون في الحرب العالمية الثالثة، لكن سلاح الرابعة سيكون العصي والحجارة».
عبدالمنعم الأعسم