وسط كل هذا العجز والفشل الذي نتخبط فيه وفي شتى مجالات الحياة المادية والقيمية؛ نجد انفسنا مجبرون على التوقف مراراً وتكراراً عند هذا النوع البائس من الهموم والاهتمامات، والتي تجاوزتها سلالات بني آدم ولم تستثنى منها قبائل الادغال في القارة الافريقية أي (قضايا الطوطم والقدسية وغير ذلك من الاورام الميتافيزيقية). مثل هذه الهموم البائسة اصبحت من سمات الوضع الغرائبي لعراق ما بعد “التغيير” والذي لم يكن ليحصل عليه العراقيون لولا المشرط الخارجي الذي يجحد دوره دعاة القدسية الذين تلقفوا مقاليد اموره بعد ذلك. ان تداعيات ما حصل بعد حفل افتتاح العاب غرب آسيا في ملعب كربلاء، تعكس طبيعة الغيبوبة التي تعصف بشعوب هذا الوطن المنكوب، كما انها تفضح طبيعة الضخ المبرمج لمثل هذه الاهتمامات الذي تشغل عيال الله عما يفترض بهم الالتفات اليه من تحديات وقيم تنتصر لكرامة الانسان وحقوقه المشروعة والتي كانت خلف كل الثورات والتضحيات التي عرفها البشر في كل مكان وزمان.
يحتج المتأسلمون على مثل هذه الوقائع بوصفها جزء من أعمال مبرمجة للمعسكر الآخر أي (المدنيون والعلمانيون والشيوعيون والليبراليون و..) والتي يخدشون من خلالها حياء الامة والدين والمذهب، في الوقت الذي يعرف فيه المتابعون الجادون للمشهد العراقي؛ بان مثل هذا المعسكر لا وجود له على أرض الواقع، ولا يوجد فعليا وبعد اربعة عقود من التوتاليتارية سوى بقايا فلولها وواجهاتها التي تمددت الى جميع الجهات والجماعات وبنحو خاص في الفصائل والجماعات الاسلاموية. لسنا بصدد البحث في حقيقة مثل هذه الادعاءات ومغزاها ودافعها الحقيقي، أي فزعات “وا قدسياته” فقد تم تناولها بشكل واسع من قبل المختصين في هذا المجال، لكننا نود الاشارة الى انها كانت دائماً بمثابة “قميص عثمان” لقوى التخلف والاستبداد في كل زمان ومكان، وهذا لم يستثن العقائد الوضعية ومنها الشيوعية، وما مثال تحنيط جثمان قائد ثورة اوكتوبر الروسية فلاديمير اليتش لينين واحاطته بالقدسية، من قبل خليفته جوزيف ستالين الا مثال صارخ على ذلك، لا سيما بعد أن كشفت الوقائع مؤخراً؛ من ان لينين في ايامه الاخيرة كان تحت الاقامة الجبرية بامر من ذلك الذي احاطه بكل تلك القدسية بعد رحيله.
لقد كشفت التجارب الاسلاموية ومنها ما جرى في هذا الوطن القديم (صانع الديانات والآلهة والمدارس الفكرية والجمالية واللغوية) وطوال 16 عاماً من هيمنتهم السياسية والاجتماعية؛ من ان هؤلاء القوم مع قدسية الامام الحسين وباقي الأئمة والاحرار والثوار، لا مع رسالتهم والمقاصد النهائية لسيرتهم ومآثرهم. وهم بسلوكهم وممارساتهم هذه يلحقون أبلغ الضرر بسمعة وقضية من احاطوهم بكل هذه الاورام من القدسية، والتي لم تكن تشغل بالهم في يوم من الأيام. انكم في حقيقة الامر لا تستحقون لعب دور الدفاع عن الحسين وصحبه، فسيرتكم وسياساتكم وشراهتكم التي جعلت العراق يتصدر قائمة الدول الاكثر فشلا وفسادا في التقارير الدولية، تمثل الضد النوعي للقيم التي دعت امام الاحرار لصنع مأثرته الخالدة على تلك الأرض التي تسمى كربلاء. اخيرا بودنا أن نذكر اصحاب حوانيت القدسية من ان الله لا يحتاج الى خدمات الدولة والفصائل وجماعات (الاسلام هو الحل) لتمتين أواصر علاقته مع عياله، والتجارب الانسانية قد برهنت وبما لا يتناطح عليه عنزان، عن الملامح والغايات الفعلية لمن يقف خلف تلك الفزعات الفاشوشية..
جمال جصاني