ما أصعب التضحية بالمكتبة

-1-
تختلف وسائل المواجهة للتحديات الماليّة التي تُضيّق الخناق على الانسان ، ويسلك فيها المأزمون طرائق شتى ..:
فهذا يعمدُ الى بيع ما يملكه من عقار .. أو سجّاد ..،
وذاك يسطو حتى على ذَهَبِ زوجتِه وبناته ..!!
فيما فيلجأ ثالث الى الاقتراض ،
وهناك فريق رابع يلجأ في تلك الشدائد الى بيع مكتَبَتِهِالخاصة خشيةَ التضييق على باقي أفراد العائلة ..!
-2-
وكان هناك مزاد لبيع الكتب يوم الجمعة في النجف الأشرف ، وغالب ما يباع في المزاد كُتُبُ العلماء والآدباء ممن ترهقهم الأعباء المالية وتضطرهم الى بيع مكتباتهم فيعرضونها للبيع وتنحدر الدموع من عيونهم حزنا وألما ..
ولكنهم يحاولون التعويض حين تنقشع الغيوم ، وتنفرج الأزمة .!!
-3-
وهناك من الأدباء من يعمد الى الشعر يرثي به ما باع من كتاب أو مكتبة…
وقد يقع الكتاب المباع بيد رجل من طراز السيد المرتضى علم الهدى فيُرجعه الى صاحبِهِ مصحوباً بالثمن أيضا ..
وهنا تتجلى المروءة والانسانية والخلق الرفيع .
-4-
ولقد وَقَفْتُ أخيراً على ما نظمه بعض الأدباء – في قضية بيع المكتبات – على لسان صديقٍ له عرض مكتبته للبيع وبقي يُصّعد الزفرات والحسرات …
وبصراحة :
انّ هذا اول نصٍ شعري أعثُر عليه يتحدث فيه شاعر مُعيّن عن مشاعر صديقٍ له اضطر لبيع مكتبته وركبتْهُ الهموم والأحزان .
-5-
قال المرحوم الشاعر الشيخ محمد الخليلي يصف الأوضاع النفسية الصعبة التي عاشها صديقٌ له بَعْدَ أنْ باع مكتبته فقال على لسانه :
لكِ يا مكتبتي في النفس ذكرى
لم تزلْ منها مدى الأيام حسرى
كَبِدٌ لي قد غدتْ مقروحة
بِسهامِ البيْنِ لمّا بِنتِ هجرا
وبقلبي لك يا أنشودتي
قُرْحةٌ لاشكَّ منها ليس يبرا
آه ما أعظَمَها مفقودة
لم تزل عيني عليها الدهر عبرى
الى ان قال
انّما مكتبتي معشوقتي
هجرتني فذهلتُ اليوم ذُعْرا
انما مكتبتي معبودتي
قد مضت عني فلا أملك فكرا
{ راجع كتاب العلامة المرحوم الدكتور السيد محمد بحر العلوم الموسوم بجمعية الرابطة الأدبية في النجف الجزء الاول / ص 306 }
ان الشيخ الخليلي كان موفقا الى حد كبير في التعبير عن الأجواء الحزينة التي انسابت فيها الدموع ، وتقرحت الكبدّ ، حتى صارّ فقد صديقه لمكتبته بمثابة فقده لأعزّ الأعزاء ممن لا يهدأ لفقدهم أوار الفجيعة
واذا كان من الصعب على العاشق أنْ تهجره حبيبتُه فقد كان من الصعب على صديقه أنْ تهجره مكتَبَتُه ..!!
-6-
وكاتب السطور ممن باع قسماً من مكتبته يوم كان يواصل دراسته العليا في جامعة النجف الأشرف ، حين حلّ أَجَلُ تسديد بدل ايجار المنزل .
فهو ممن اكتوى بتلك النيران ايضا .
وهكذا هي فصول الحياة
قال الشاعر :
انما الدنيا عوارٍ
والعواري مُسْتَردّهْ
شدةٌ بَعْدَ رخاءٍ
ورخاءٌ بَعْدَ شدّةْ

حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة