كنت مثل غيري من الأشخاص الذين هللوا لإلغاء وزارة الإعلام، وأظهروا الشماتة بها عام 2003، لا لشئ، إلا لأنها كانت تمثل الوجه البشع للحقبة السابقة، وأداة الترويج لها، والتحامل على خصومها. وكان الحافز على قبول هذه الفكرة هو الانتقام من سلوكها المؤذي للوجدان الشعبي، وحرمانها من أي فرصة ثانية للعب مثل هذا الدور.
ولا حاجة للقول أن استبدال وزارة الإعلام بهيأة مستقلة أو أكثر، تقليد غربي محض معمول به في دول عديدة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا.
لكن الواقع أننا كنا قصيري النظر واهني البصيرة. فالغرب شئ والعراق شئ آخر. وما كنا نأخذه على هذه الوزارة جزء من مآخذنا على نظام أمني ذي سلوك عدواني. ومثل هذا الاعتراض على الوزارة ذاتها لم يحدث قبل عام 1968. أي أن الخلل لم يكن فيها، بل بالنظام الذي سخرها لخدمة أغراضه الخاصة. ولا ريب أن النظام الجديد في العراق أحوج ما يكون إلى سلطة إعلامية قادرة على إظهار محاسنه في الداخل والخارج. أما وزارة الثقافة فقد أثبتت أنها شئ ووزارة الإعلام شئ آخر.
ومع ذلك فقد قدمت الوزارة الملغاة خدمات جليلة للثقافة العراقية. وأصدرت على مدى سنوات طويلة العديد من الدوريات الرصينة ونشرت الكثير من الكتب المهمة، ووزعتها في البلاد العربية، مقدمة بذلك صورة جيدة عن العراق. وكان يمكن تطوير هذه الخدمات لتكون في صالح المجتمع والناس.
وقد كتبت ذات مرة عن موقف وزارة الإعلام هذه من السينما، وأبديت استغرابي من قلة احتفائها بها، وعزوفها عن الإنتاج الغزير فيها، حتى لو كان خدمة للسلطة ذاتها، مثلما فعلت في فيلمي القادسية والأيام الطويلة. ولا شك أن الإنتاج الغزير الذي يصور الحياة العراقية سيكون دعاية جيدة للنظام، وعاملاً من عوامل قوته. لكنه يسهم في تعريف العالم بالبلاد أيضاً. فهناك الكثير الذي يمكن أن يعرفه العالم عنها. عدا عن أن العمل الفني المتواصل، مؤدلجاً كان أو غير مؤدلج، كفيل بخلق كفاءات قادرة على إنجاح هذه الصناعة. ويمكن أن تكون له مردودات مادية ومعنوية كبيرة كذلك.
إن إعادة وزارة الإعلام للحياة في هذه المرحلة ستحدث انتقالة مهمة في الثقافة العراقية، قادرة على سد الفراغ الذي حدث خلال هذه الحقبة. ففي هذا العصر بالذات لم يعد بإمكان الشركات الأهلية العمل بمعزل عن القطاع العام. وأياً كانت وجهة نظر الوزارة المقترحة أو ميولها، فهي أداة نافعة من أدوات الدعاية للعراق، وجيش متقدم من جيوشه التي تهدف إلى إعطاء صورة جيدة عنه في المحافل الدولية.
ربما تكون مثل هذه الدعوة صادمة للبعض ممن ألف تباطؤ وتيرة الحياة في هذا الجزء من العالم، لكني أعتقد أنها تستحق التأمل، والدراسة، والدعم. لأنها من صميم حاجاتنا الأساسية في هذه المرحلة الفارقة من التأريخ!
محمد زكي ابراهيم