الكاتب، والباحث المغربي عز الدين الوافي

حوار عن النقد السينمائي

حوار : صلاح سرميني

«عزّ الدين الوافي» أستاذ لمادة التحليل الفيلمي، والتواصل بالمعهد المتوسطي للصحافة، والسمعي/البصري بطنجة، أستاذ سابق لورشة الفوتوغرافيا، والفيديو بمجموعة BMHS بطنجة سابقاً، حاصل على شهادة الإجازة في الأدب الإنجليزي بكلية الآداب بفاس سنة 1983، خريج كلية علوم التربية بالرباط سنة 1984، تابع الدراسات العليا بكلية فاس في أدب «جيمس جويس» سنة 1995
عضو باتحاد كتاب المغرب، عضو بجمعية نقاد السينما بالمغرب، رئيس مؤسّس المرصد المغربي للصورة، والوسائط.

ـ ماذا يعني «النقد السينمائي» بالضبط؟ وهل يمكن أن نستبدلها بكلمةٍ بديلة أكثر رقة، لطفاً، ورحمة، القراءة، أو المُقاربة.
ـ نقد، كلمةٌ مزعجة، تُثير المشاكل، والخصومات بين النقاد، والمخرجين (ورُبما بين النقاد، والنقاد أنفسهم)، مرتبطةً غالباً بالكشف عن الخلل، العيوب، والسلبيات، ..

ـ في الوسط الفني، والسينمائي تحديداً، نسمع، ونقرأ أحدنا يكتب عن «النقد البنّاء»، و»النقد الهدّام»، متى يكون النقد «بناءً»، ومتى يكون «هداماً»؟
هذا الارتباط خاطئٌ بالمرّة، وهو ناتجٌ عن سوء الترجمة، النقد بالمعنى العلمي هو البحث في مكامن القوة، والضعف أيضاً، وليس الهدم المريض.
ـ يكون بناءً عندما يترك الحفر في حميمية المخرج، ويبتعد عن الخوض في شخصه، والعكس يكون هداماً عندما يركب على الاستفزاز، ولا يقدم هو ذاته أيّ جديد في رؤيته للأشياء.

ـ يكتب أحدنا «آليات النقد السينمائي»، «أسّس النقد السينمائي»، «الشروط الحقيقية للنقد»، هل فعلاً هناك آليات، وأسّس، وشروط؟
ـ بكلّ تأكيد، وإلاّ سنصبح أمام فوضى، كلّ شيء له شروطه الفكرية، والجمالية، والأخلاقية، ومنها الحياد، والموضوعية، والجدة في الطرح، والتكامل في الرؤية، والغوص في التفاصيل، والابتعاد عن الانطباعية، والأحكام الجاهزة دون دليل منطقي.

ـ هناك من يمنح النقد «وظيفةً إبداعية»، كيف يمكن أن يكون النقد «إبداعياً»؟
ـ بكلّ تأكيد، الإبداعية شرط إضافي، ومطلوب، نموذج «بارت» إنها ملح الكتابة، وأفقها المرح، ولكن الرصين، والمرتبط بالبحث في الجماليات، لابأس من خلال الاجتهاد الشخصي، والرؤية الفنية.

ـ في العادة، يعمد بعض نقاد السينما العرب إلى إجراء حواراتٍ مع ممثلين، ومخرجين، ولكن، لم نتعوّد بأن يتحاور ناقدان، لماذا لم يفكر النقاد بهذه المُناظرات الفكرية؟
ـ هم في كانتونات، ورُبما في خلافاتٍ وهمية،.. هذا شيء ضروري، وصحي.

ـ معظم نقاد السينما ليسوا سينمائيين، فمن أين لهم الحقّ في الحكم على أعمال سواهم؟
ـ من الأحسن أن يكون الناقد عارفاً، وملماً بعوالم الإخراج السينمائي، وما يدور في فلكه، ولكن أتصور أن هذا قيمة مضافة، وقد لا تُبطل من لا يعرف ذلك.

ـ هل يمكن اعتبار كل من يخرج فيلماً مُبدعاً؟
ـ لا

ـ إذا كان العمل المنقود إبداعياً فعلاً، فهل يحقّ للناقد أنْ يتجاوز إبداعه؟
ـ طبعاً، الإبداع لا يرتبط بنصّ، أو بشخصٍ، هو مرتبط بالمرجعيات التي قد تتقاطع، وقد تكمل بعضها بعضاً.

ـ هل الناقد من يحدد ماهية الإبداع فيه؟
ـ عموماً نعم، ولكنه يجب أن يكون في مستوى هذا الامتياز، ويحترم نفسه.

ـ يقوم المُبدع الموهوب بصياغة رؤيته لكي يُرضي نفسه، وجمهوره، ولا يكترث لمن يدخل بينه، وبين جمهوره طرفاً ثالثاً دخيلاً ….؟
ـ الناقد من يبني تصوّره، ولا يدّعي المُطلق هو رأيّ نسبي، وقابل للنقاش.

ـ هل تتوجه الكتابة النقدية إلى صانع العمل، أم إلى جمهوره؟
ـ لهما معاً من المفروض، ولكن هناك من صناع العمل من يترفعون عن النقد، ويتحاملون عليه وهذا هروب إلى الأمام، أما الجمهور فهو في الحقيقة مفترض.
ـ معظم النقاد العرب اعتادوا على اعتبار الفيلم نصّـاً، ويبحرون في المنظور السهل: الحكاية، ومواقف أبطالها، وكيف أن المخرج صاغها، وما يطرحه خلالها من مواقف، وما هو موقفه منها، وبعض الكتبة يُبحرون في سرد النص كما لو كانوا يقرأون كتاباً، وليس فيلماً.
ـ هؤلاء يعانون من الأفق التخييلي، وغير قادرين على تغذية كتاباتهم بالفكر، والفلسفة، وعلم الجمال، وغيرها من مناهج التحليل الأسلوبي، والتشكيلي، وهم في الغالب أنصاف أدباء.

ـ هل من المفيد أن يتحدث الناقد عن الشكل، أو الجوانب الشكلية الجمالية في الفيلم، هل تهمّ المشاهد/القارئ، وتفيده ؟
ـ قد يظن البعض أنها لا تفيده، لكنها ضرورية لنشر النقد العالم، وبالتالي تكسير تلك النمطية المعهودة في الكتابة المضمونية.

ـ ماهي المُحفزات المضمونية، والشكلية التي تجعل الناقد يكتب عن فيلم دون غيره؟.
ـ السقوط في العشق.

ـ هل بتوّجب على الناقد أن يكتب عن الأفلام الجيدة، ويُهمل الرديئة؟
ـ لا، عادة نكتب عن الأفلام الجيدة التي تستهوينا بشكلٍ ما، لكن من الزاوية البيداغوجية.

ـ هل كتابة الناقد عن الأفلام الرديئة مفيدة للمشاهد/القارئ؟
ـ نعم، لأنها تنير طرق قراءته للفيلم.

ـ ما هو معيار الجودة، والرداءة في الفيلم السينمائي ؟
ـ معيارين نسبيين حسب نوع الفيلم.

ـ يتعفف النقاد العرب الكتابة عن نوعياتٍ من الأفلام بعينها: الهلع، الرعب، الويسترن، الأفلام الهندية، الجماهيرية،…. ؟
ـ لأنه ينقصنا النقاد المتخصصون.

ـ كلما كتب الناقد عن الأفلام العظيمة، سوف يصبح عظيماً، وكأنّ عظمة الفيلم سوف ترفع من شأن الناقد؟
ـ هذا وهمٌ فقط .

ـ في مدونته «ظلال، وأشباح»، كتب «محمد رضا» عن فوضى نقدية عارمة تشهدها الثقافة السينمائية»، يقصد العربية؟
ـ صحيحٌ، وهي جزءٌ من الاستهتار بالثقافة، والفن، والجمهور أيضاً.

ـ يهرب قراء الثقافة السينمائية بسبب إخفاق النقاد في التواصل معهم؟
ـ هم يعيشون في بروج عالية، ويمتلكون أنا مضّخمة، وغالباً لا يمتلكون القدرة على التواصل.

ـ يصل «محمد رضا» إلى حد إشارته إلى إفلاس النقد السينمائي عندنا؟
ـ الإفلاس كلمة صعبة، أفضل فتور، أو ضبابية.
ـ كم واحد يكتب في السينما اليوم، ويكتب ما لا يحمل بالتالي أيّ إضافة جديدة لقارىء يستطيع أن يستغني عن الناقد بسهولة لسببين معه حق فيهما : الأول، لو أراد الرأي وحده لاكتفى برأيه الخاص، والثاني، لو أراد القصّـة لاكتفى بمشاهدتها على الشاشة.
ـ الناقد ليس من يوصل الخبز للفرن، الناقد يطرح العجين، ويقلبه بين النار ليكون طيب الرائحة، وجميل المنظر.
ـ النقد السينمائي منحدر، لأنه بات كلاماً عامّـاً، يمكن لأي ملم في الصف الثانوي أن يأتي بمثله، وهو لم يعد يُـثير الاهتمام، لأنه لا يُضيف معرفة، بل يثقل من الرأي.
ـ تعلم أن عالم الصحافة اليوم تجاوز الخبر، وعانق التحليل، أو من المفروض ذلك، أن أتكلم عن السينما، يعني أن أمتلك خزاناً من المعرفة، وأكون مطلعاً، وبالضرورة مسؤولاً عما أقول، وأحترم نفسي قبل أن أحترم الآخر.

ـ هل السينما العربية بخير؟
ـ في الوضع الحالي هناك سينمات لا شك تتأثر بمدٍ، وجزر السياسات الثقافية، والاقتصادية، وهي عموما مرآة حقيقية لواقع الثقافة، والفن في بلاد لا تمتلك بوصلة واضحة حول قيم الحداثة والفكر، والمواطنة.
ـ في كثير من الحالات، وعندما أقرأ انطباعاتٍ عن فيلم ما، يبدو لي بأن الناقد لا يتحدث عن الفيلم كما شاهده على الشاشة، ولكن، يريد من المخرج أن ينجز الفيلم وُفق رؤيته، اي يريد أن يأخذ مكان المخرج.
ـ للإخراج رؤية ذاتية، وتعامل بصيغة الفرد مع العالم لا يمكن لأي شخص أن يرى الغروب من الزاوية التي أراها منه.

ـ كيف يمكن أن نحدد بأن هذه الكتابة موضوعية، أو غير موضوعية؟
ـ الموضوعية ميزة نسبية، ومتأثرة بأهواء العقل.
ـ لم يعدّ أحد يتحمّـل النقد، معظم المخرجين العرب واثقون بأنهم وُلدوا بلا أخطاء، وأنهم ينجزون تحفاً تحيا للأبد.
ـ هم واهمون.
ـ هناك حراكٌ سينمائيّ مهمّ في المغرب على مستوى المهرجانات السينمائية التي تنظمها الجمعيات الأهلية، وعلى حدّ علمي، يوجد حوالي خمسين مهرجاناً تختلف تيمة كلّ واحد عن الآخر، ولكننا، دائماً، نقرأ حالاتٍ من الشكوى، والتذمر من الجوانب الفنية، والتنظيمية.
ـ الجوانب الفنية قد ترتبط بمستوى المنظمين، ومدى إدراكهم لنوعية الأفلام، ومحاور النقاشات، أما التنظيمية، فتلك خاصية نتميز بها نحن العرب، وهي مرتبطة بالتهيؤ القبلي، وباحترام الوقت، وبتوزيع المهام، وفوق هذا كله احترام وقت الآخرين.

ـ المهرجانات المغربية مصنفة من طرف «المركز المغربي للسينما» إلى فئاتٍ مختلفة، ماهي الفوارق بينها، وأسباب التصنيف، وآلياته؟
ـ حسب نجومها، ومستوى الجوائز فيها، وربما أقدميتها.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة