هزيمة التطرف واللون الواحد

حمادة فراعنة

باعتقال هشام عشماوي أبرز قيادات «داعش»، مسؤول تنظيم بيت المقدس في مصر، وباعتقال أبو أسامة المهاجر، أبرز قيادات «داعش» في اليمن، تكون قد وجهت ضربة مزدوجة للتنظيم الإسلامي المتطرف وسُجلت خطوة جوهرية ونقلة نوعية على طريق انحساره وتراجعه.
قد لا تكون خطوات اعتقال العشماوي والمهاجر عنواناً لهزيمة الفصيلين وتلاشيهما في مصر واليمن، إضافة إلى ما واجهه التنظيم من خسائر متلاحقة في العراق وسورية، ولكن ذلك عنوان كبير للتراجع ومحطة نوعية للانحسار ودلالة أكيدة على فقدان ما كان يتمتع به التنظيم من قدرة على المبادرة، وما كان يملكه من إمكانات المناورة، وشبكة الاتصالات بين مكونات فصائله، والتحكم بتوجيه الضربات وتسديدها سواء في آسيا أو إفريقيا أو أوروبا. وحصيلة هذه الضربات المتلاحقة أفقدته القدرة المتمكنة لديه، وبدا الترنح واضحاً على وقوفه أمام أعدائه وعدم تمكنه من التصدي لضربات خصومه، ومثلما امتلك القدرة على توجيه ضربات متعددة في أماكن عابرة للحدود، وجهت له بهذه الحصيلة ضربات متعددة عابرة للحدود.
ما هي الحصيلة السياسية؟ وما هي النتائج التي يمكن للمراقب أن يستخلصها وأن يقف أمامها لقراءة المشهد السياسي التنظيمي لواقع «داعش» ومن قبله «القاعدة» وتبعات الضربات التي وجهت لهما وأدت بهما إلى ما نراه من تراجع وانحسار؟؟
أولاً: هزيمة أسلوب العنف المسلح أو العمل الجهادي المسلح كوسيلة للتغيير، وأداة لإسقاط الأنظمة والاستيلاء على الحكم، فقد توفرت للفصيلين ظروف موضوعية وعوامل مشجعة محلية وإقليمية ودولية مساندة في لحظة تاريخية أرادتها الولايات المتحدة، لفرض التغيير على الواقع العربي خدمة لمصالحها ومصالح المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، وقد نجحت في التدمير كما سبق لها في مرحلة الحرب الباردة ونجاحها في تدمير المعسكر الاشتراكي وهزيمة الشيوعية وتفكيك الاتحاد السوفياتي وهزيمته في حماقة احتلاله لأفغانستان، ونجحت في تدمير العراق وليبيا وسورية واليمن، ولكنها لم تُفلح في فرض أنظمة بديلة صاغرة للعدو الإسرائيلي، فالشعوب العربية ما زال لديها الحيل كي تقول لا للاستعمار الإسرائيلي وترفض التطبيع معه.
ثانياً: مثلما هُزمت الشيوعية كفكرة متسلطة تفرض ديكتاتورية اللون الواحد على المجتمع، تم هزيمة الإسلام السياسي كفكرة عقائدية وحزب أحادي لمن يتبناه ويفرض فلسفته واجتهاداته على مكونات الدولة والمجتمع، فالإسلام بقي صامداً لعشرات القرون كعقيدة، وأسلوب حياة وخيار فكري للإنسان، رغم ما تعرض له من نكسات سياسية، ولكن فرضه على المجتمع عبر حزب سياسي يدعي وحده تمثيل الإسلام وبرؤية حزبية متسلطة، وغيره الكفر والخروج عن الملة، فقد مسه التراجع والانحسار كما حصل للقاعدة و»داعش» وحتى «الإخوان المسلمين» لم يسلموا من شر التراجع والانحسار على خلفية إخفاقهم في إدارة الدولة في مصر وقطاع غزة وهزيمتهم في ليبيا وسورية واليمن والعراق، وما الاجتهادات والوثائق التكيفية الصادرة عن «حماس»، في أيار، من الدوحة عام 2017، والوثيقة السياسية الصادرة عن الحركة الإسلامية في الأردن يوم الإثنين 17 حزيران 2019 سوى تعبير عن هذا التكيف بسبب الانحسار والتراجع وعدم القدرة على التقدم إلى الأمام نتيجة الفشل في مصر وفلسطين، والهزيمة في ليبيا وسورية واليمن والعراق. لم تعد فكرة اللون الواحد والحزب الواحد والعائلة والقبيلة والقومية الواحدة والمذهب المتسلط هو رغبات الشعوب وخياراتها بل التعددية والديمقراطية والتعايش مع الآخر هو عنوان انحياز الشعوب لمستقبلها الذي تصنعه بعد أن تدفع الثمن الباهظ كما فعلنا ودفعت شعوبنا من دمها واستقرارها، كما نراه ونلمسه وشاهدناه في العراق وسورية وليبيا واليمن، وما حرصنا ألا نقع فيه في الأردن والمغرب والعديد من البلدان العربية.

جريدة الايام

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة