لماذا تُطمسُ الحقائق ؟

-1-
من أشدّ العاهات وأكثرها ضرراً عاهةُ الاجحاف بحقوق الآخرين ، وانكار فضائلهم ومآثرهم والاصرار على حيازة النار للقرص الشخصي فقط ..!!
-2-
وهناك من لا يستطيع ولا يُطيق أنْ يرى أحداً يتفوق عليه لا بالعلم والمعرفة والثقافة فحسب، بل بالحَسَبِ والتاريخ والمناقب والمواهب .
وعندي : أنَّ هذا النمط من الناس هم أكثر حقداً من الحسّاد ، ذلك أنَّ الحاسد يتمنى زوال النعمة عنك ،
أما هذا فلا يُطيق أنْ يسمع باسمك يُشاد به ويتغنّى، وهو يحقد عليك لأنَّك استطعتَ أنْ تنفذ الى القلوب ..!!
يحقد دون أنْ يكون الموهوب قد أساء اليه أو اشتبك معه في صراع ..
انها الجهنمية المقيتة التي يتدحرج بها صاحب هذا المزاج الى الحضيض..
فلا تجد له مُحبّاً على الاطلاق
-3-
ومن أبرز الأمثلة المعاصرة على هذه المزاجية الذميمة المسعورة هو الدكتاتور المقبور الذي لم يُبق على أحدٍ من رفاقه وأصدقائه فضلاً عن غيرهم …
-4-
وأما الأمثلة التاريخية فهي كثيرة للغاية ومن أهمها مواقف الأمويين من الانصار فضلاً عن اهل البيت (عليهم السلام) .
ونكتفي هنا بذكر حادثة واحدة ولكنها ناطقة بالنزعة الاموية الخبيثة التي لم تكن تريد للتاريخ أنْ يكون صادقا،ولم تُطق أنْ تُسجّل فيه أية مزية لغيرهم ..!!
“روى الزبير بن بكار بسنده عن عبد الرحمن بن يزيد قال :
قدم علينا سليمان بن عبد الملك حاجا سنة 82 هـ وهو وليُّ عهد ، فلما مرّ بالمدينة فدخل عليه الناس فسلمّوا عليه وركب الى مشاهد النبي (ص) التي صلى فيها وحيث أُصيب أصحابه بأُحد ومعه أبان بن عثمان وعمرو بن عثمان وابو بكر بن عند الله ، فأتوا (قباء ومسجد الفضيخ ومشربه أم ابراهيم وأُحد وكلُّ ذلك يسألهم ويخبرونه عما كان .
ثم أمر أبان بن عثمان ان يكتب له سِيَرَ النبي (ص) ومغازيه ، فقال أبان:
هي عندي قد أخذتُها مُصححةً ممن أثق به فَأَمَرَ بنسخها ،
وألقي فيها الى عشرة من الكُتّاب ، فكتبوها في رقّ فلما صارت اليه ، نظر فاذا فيها ذِكْرُ الأنصار في العَقَبَتيْن ، وذِكْرُ الانصار في بدر فقال :
ما كنتُ أرى لهؤلاء القوم هذا الفضل ،
فامّا أنْ يكون اهل بيتي غمصوا عليهم
وإمّا ان يكونوا ليس هكذا، فقال أبان بن عثمان :
ايها الأمير لا يمنعنا ما صنعوا … أنْ نقول الحق ، هم على ما وصفنا لك في كتابنا هذا
قال سليمان :
ما حاجتي الى ان انسخ ذاك حتى أذكره لامير المؤمنين لعله يخالفه فأمر بذلك الكتاب فخرق وقال :
أسأل امير المؤمنين اذا رجعت ، فان يوافقه فما أيسر نَسْخَةُ
فرجع سليمان بن عبد الملك فأخبر أباه بالذي كان من قول أبان فقال عبد الملك :
وما حاجتك ان تُقدم بكتابٍ ليس لنا فيه فضل ؟
تُعرّف أهل الشام أموراً لا نريد ان يعرفوها .
قال سليمان :
فلذلك – يا أمير المؤمنين – أمرتُ بتخريق ما كنتُ نسختُه حتى استطلع رأي امير المؤمنين ،
فصوّب رأيّهُ .
راجع الموفقيات للزبير بن بكار 222-223
-5-
ألا تعجب بعد هذا ممن يرون ما دُوّن في كتب التاريخ وكأنّه الحق الصراح الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه ، وهو الذي كُتب بعد أن مزقّت الصحائف والكتب التي لم يشأ الطغاة ان يطّلع عليها الناس..؟
-6-
وقَلَّ أنْ تجد بين المحترفين السياسيين المعاصرين من يصغي الى ناطق يثني على غيره ..
انّه الداء العضال ..
وانّه الخلل الكبير في البُنية الانسانية والاخلاقية والاجتماعية
وسواء وطنّ صاحب هذا المزاج نفسه على التعاطي مع الحقائق دون تغيير أم لم يوّطن نفسه على ذلك ، فانّ هناك ثلة من الأحرار المنصفين في كل عصر ومكان لا يحيدون عن اعتشاق الحق والنفور من الأكاذيب والأباطيل .
ثم انه – وبهذا المزاج – يدعو عمليا الى التعتيم على ايجابياته إنْ كان له منها نصيب –
وبالتالي فهو يطمس تاريخه أيضا ..!!وهكذا يأتي الجزاء من جنس الفعل..!!

حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة