فاروق ملا مصطفى: ظاهرة اجتماعية واقتصادية وليس شخصية مهمة وحسب

د. ديار عبد القادر احمد
إن تعريف كاك فاروق كمستثمر او صاحب رأسمال كبير فحسب خطأ وغبن واجحاف ايضًا بحقه انطلق في هذا المجال من نقطة الصفر خالي الوفاض معتمدا على القروض ولم يرث عن ابائه شيئا يعنيه. لم تكن الثروة في نظره ولديه غاية قط، بل كان يهمه كرجل تقدمي ان يستورد الى كردستان والعراق افكارا ومشاريع حديثة. ولم يكن مع الرأسمالية ولن يكون. وكشخص ينتفع من الفكر الذرائعي خدمة للتقدم وسعادة المجتمع والفرد وناضل من اجله.
ان اجمل تعريف يليق بالأخ فاروق في نظري هو (Game changer) وللأسف لا يوجد في الكردية مفهوم مقارب او مرادف له ، ويعني في اللغة الانكليزية الشخص الذي يشترك في لعبة ثم يحور اسس ومبادئ وقوانين اللعبة ويخترع لها قوانين واسساً جديدة متوخياً تطوير اللعبة نفسها. وقد سار على هذا المنوال في السياسة والنشاط الاجتماعي والعمل الإداري في مضمار الاستثمار أيضاً.
بدأ بمشروع تربية الدواجن، وانشأ في السليمانية أول وأنجح مجزر دواجن على صعيد العراق. دخل شبكة خطوط الهواتف بحقيبة VSAT في الطابق الارضي في بناية (علي نملي) وفيما بعد ولأول مرة في تاريخ العراق أسس أكبر واضخم شركة لأجهزة الموبايل (الهاتف النقال)، ثم اقتحم المجال الصناعي وأعاد تأسيس معمل طاسلوجة للأسمنت، وأسس من جديد معملين آخرين للأسمنت يعدان في الوقت الراهن من أحسن المعامل في العراق، علاوة على معامل صناعية أخرى في مجالات مختلفة.
شرع في بناء الفنادق، فأنجز أجمل وأعلى فندق في العراق في مدينة السليمانية وسماه (شاري جوان) مدينة السحر والجمال، ويقصد بها مدينة السليمانية لا غيرها.
وفي مجال الخدمات الطبية شيد وأنجز أرقى و أكبر مستشفى في العراق، وينهمك في الوقت الحاضر في تأسيس جامعة طبية تستوعب وتضم المرافق والمعدات الطبية كافة.
لو قيمنا هذه المشاريع بمنطق رأسمالي او استثماري لكان يتحتم عليه الا ينجزها في العراق وكردستان، لأن إقامتها في أماكن أخرى خارج العراق تدر عليه أرباحاً مضاعفة هائلة جداً. طبقاً لما طرحتُ فإنه ليس مستثمراً بل هو قدوة ورائد اجتماعي وسياسي ذرائعي في الدرجة الأولى. إن ريادته وتفوقه في العمل تكملان سياسية ذرائعية عملية في الدرجة الأولى، وترجحان نجاح خططه في كل شيء، حتى لو كانت خططته تلحق به اضرارا او خسائر مالية، لذا بذل جهودا متواصلة ليساعد المئات من الجيل الشاب يعلمهم كيف يطورون مواهبهم وقابلياتهم في إطار جماعي، كي يكونوا قادة ومرشدي المستقبل. ويقل نظيره في مضمار دعم النساء ليس في العراق فحسب بل على مستوى المنطقة.
عرفت كاكه فاروق ملا مصطفى منذ نعومة اظافري، في طفولتي حينما كان يزور بيتنا وبيت عمي في شهربان، تصورته شخصاً عصبياً وغاضباً يرهبني لقاءه، كان لا يروق لي مجيئه في بعض الاحيان الى بيتنا! كان والدي وعمي يحبانه ويحيطانه بالتقدير ويذكران اسمه بابن العم (كان ابن عم والدي). عدت أوقات زياراته إلينا عيدا لدى عمي ووالدي وكان المجلس يعقد بفرح. رغب في سماع صوت والدي الذي اشنف سمعه بأغانيه العذبة. روى لي والدي أن صوته سحر عمه ملا مصطفى (والد فاروق) وكل ما رآه قال له “هيا يا عزيزي قاله (أي قادر) غني لي مقاما”.
كانت أمي تقول: عندما كان والدك نزيل السجن بسبب مواقفه الشيوعية، كان فاروق طالبا في بغداد وكان يتردد إلينا ويدعمنا ماليا. وعلمت فيما بعد انه يعمل يومياً بعد انتهاء دوامه في الجامعة.
بعد عودته الى السليمانية عام 1984 كنت أراه مراراً في الاعياد والمناسبات العائلية. وفي آواخر عام 1996 وبعد إصابته بجلطة قلبية اقتربت منه أكثر كوني طالبا في الكلية الطبية وامضيت معظم الأوقات في غرفته في بيته أسهر على صحته ليلا ونهارا. منذ عام 2002 بدأت بالعمل لديه عن طريق أخي كريم الذي كان يعمل لديه. منذ تلك السنة وانا معه في حله وترحاله- أدين له بما اكتسبت من المعلومات والمهارات في العمل.
غير تأثيره مجرى حياتي. لم أجده قط ضعيفاً منهارًا واهنا، ولم يركع ويستسلم لتأثيرات المرض والمشكلات الأخرى. قوي للغاية، شخصية متماسكة معنوياً وجسدياً. إن وجدت نقطة ضعف لديه فإنها تكون في حبه الجم وعشقه مدينة السليمانية، يهوى السليمانية بدرجة لو بقي في خارجها أكثر من اسبوع لمرض، ولا يتعافى الا بعد عودته إليها. ان ما تركه والدي فيّ من تأثير لا يقارن بأي شيء آخر، علمني كل شيء لكنه اوصاني وهو يحتضر على فراش الموت “اعتنِ بفاروق وأبنائه وكن في خدمته على الدوام”.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة