الفساد بأبسط تعريفاته، هو مخالفة أحكام القانون والاضرار بالمال العام، لصالح فرد أو جهة معينة، ويقوم بالفساد موظف او مجموعة موظفين، يخرقون القانون، ويكبدون الدولة أموالا تذهب خلافا لما هو مقرر لها. وقانون هيأة النزاهة، ذكر على سبيل الحصر الأفعال والممارسات التي تعد صورة من صور الفساد، كالرشوة والاختلاس والسرقة وغيرها.. وهذا النمط من الفساد، وضع المشرع لها علاجا وهو أما الحبس أو السجن أو الغرامة، وحسب طبيعة كل فعل، وتتولى هيأة النزاهة، والرقابة المالية، والادعاء العام، محاربة تلك الظاهرة، من خلال الاجراءات المنصوص عليها في القانون. وبرغم وجود مجموعة من الاجهزة الرقابية التي تتولى مكافحة الفساد وآخرها المجلس الاعلى لمكافحة الفساد، الا ان سرقة المال العام والتعدي على مصالح الدولة، مازال مستمرا..
الطريق الجديد الذي سلكه الفاسدون مؤخرا والذي لا يوجد نص قانوني يجرمه، لكنه في جوهره فساد مقنع بقناع قانوني، وهذا الطريق ابتكرته الاحزاب والكتل الساعية الى كسب مزيد من الامتيازات والموارد على حساب المال العام، وهذا الطريق يتمثل بتشريع قوانين تثقل كاهل الدولة، وتمنح امتيازات مالية كبيرة لفئات محددة، من دون أن تقدم تلك الفئات أية خدمات للدولة.. ففي الوقت الذي يفترض أن تستغل الحكومة ومجلس النواب، الايرادات المالية الكبيرة المتحققة من شتى المصادر، خصوصا النفط، في تلبية احتياجات المواطن، او دعم البنى التحتية، كبناء المدارس والمستشفيات وتأهيل المصانع، يتم تخصيص مبالغ مالية طائلة الى فئات وشرائح تسكن في خارج البلاد، او تسكن في الداخل، لكنها تقوم بتحويل تلك الأموال الى الخارج.. في حين ثمة شرائح اجتماعية تعاني من الفقر والحاجة، ولا تملك اي راتب او مورد مالي يساعدهم على التغلب على مصاعب الحياة. فإلى جانب المبالغ الممنوحة الى بعض الهيئات المستقلة التي تمنح رواتب للمتضررين من النظام السابق، ومحتجزي رفحاء، صوت البرلمان مؤخرا على اعتبار ان النواب الذين تم استبدالهم بقرار من المحكمة الاتحادية، انهم يستحقون جميع الحقوق التي تمنح للنواب الذين احتفظوا بمقاعدهم، فمجرد أن يقوم النائب بتأدية اليمين الدستورية، يستحق أن يمنح حقوقا تمنح للنواب الذين يبقون دورة انتخابية كاملة، وبرغم ان عملية التصويت تمت أمام وسائل الاعلام، الا ان البرلمان نفى الأمر..
ان موازنة الدولة، برغم تعدد مواردها، وقدرتها على استيعاب جميع النفقات الا انها لن تصمد طويلا أمام الاحجار التي ترمى عليها يوميا، حيث أنها ستغرق يوما في بحر الرواتب الخاصة، وعندها لا يجد المواطن دينارا واحدا يخصص له، حيث ستذهب كل الموازنة الى رواتب ومخصصات لأعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية الحاليين والسابقين، اضافة الى ذلك، كثرة الاقتراض الخارجي من جهات متعددة، وعدم وجود آليات حقيقية لسداد تلك القروض او الاعتماد على الموارد الداخلية للدولة في دعم الموازنة.. ان المنظومة القانونية والتشريعية، بحاجة الى جهد جديد، لمكافحة الفساد بواسطة القانون، ولعل الشعب هو الجهة الوحيدة القادرة على مواجهة هذا النوع من الفساد.
سلام مكي