من يفوز في أزمة الخليج؟ لم يتقرر بعد من هو الفائز النهائي في هذه الجولة، لكنّ طهران هي الفائزة حتى الآن في بعض النقاط.
من الواضح، وفقاً لإدارة ترامب – ولكن ربما لا خلاف على ذلك، في رأي الآخرين – هو أن إيران نفّذت هجماتٍ على ناقلتيْن في خليج عمان يوم الخميس الماضي، فضلاً عن تنفيذها هجمات على أربع ناقلات قبالة ميناء الفجيرة الإماراتي في 12 أيار/مايو. إضافة إلى ذلك، فإن قوات الحوثيين في اليمن، التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها وكيلة لإيران، استعملت طائرات من دون طيار لمهاجمة محطتي ضخ على خط أنابيب رئيسي في المملكة العربية السعودية في 14 أيار/مايو.
إن أمن صادرات النفط من المنطقة، التي كانت على مدى عقود من الزمن ضرورة حتمية للأمن القومي للولايات المتحدة، معرَّض للخطر. لكنّ عمليات الرد الأميركية ما زالت حتى الآن معدومة، في الأقل من حيث استعمال القوة العسكرية. وكانت صور الناقلة المحترقة في الأسبوع الماضي دليلاً على أن وصول مجموعة حاملات الطائرات الأميركية الضاربة «أبراهام لنكولن» والقاذفات الأمريكية من طراز «بي 52» في وقت مبكر قبل الموعد المخطط لها وبصورة علنية لم يكن له أي تأثير على السلوك الإيراني.
والجدير بالملاحظة هو أن حاملة الطائرات «لينكولن» لم تمر عبر «مضيق هرمز» إلى الخليج العربي نفسه منذ وصولها إلى المنطقة، فتخلّت فعليّاً عن تلك المياه لإيران. وإذا أُسيء اقتباس كلمات الأغنية التقليدية «أحكمي يا بريتانيا»، يتّضح أن «أميركا لا تحكم الأمواج»، وأن القواعد التي تسللت منها قوارب الهجوم الإيرانية لشنّ هجماتها ما تزال على ما كانت عليه، من دون أن يَطَلها أي عمل انتقامي أميركي.
إن امتناع الرئيس ترامب عن الاستخدام الفعلي للقوة العسكرية الأمريكية هو فضيلة قابلة للنقاش. إلا أن غياب رد حازم – دبلوماسي، أو عسكري أو كليهما – ليس كذلك، على الرغم من أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو يعِد باتخاذ خطوة حاسمة.
هناك مجموعة من الخيارات، ولا بدّ من تقديم بعضها أو جميعها بسرعة:
أولاً، على الولايات المتحدة أن تشجّع حلفاءها الرئيسين، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، في الخليج على أن يزيدوا بوضوح من مستوى مكانتهم العسكرية. ففي النهاية، كانت سُفنهم و/أو بضائعهم هي التي تعرّضت للهجوم.
لا بدّ أيضاً من تشجيع الحلفاء الآخرين للولايات المتحدة على القيام بمساهمة واضحة. فقد ذكرت صحيفة الـ «تايمز» اللندنية أنّه يتم إرسال 100 من قوات مشاة البحرية البريطانية إلى القاعدة البريطانية في البحرين، حيث تتمركز بنحو دائم فرقاطة وعدة كاسحات ألغام. و»سيتولون حراسة» السفن التي تعبر «مضيق هرمز». ولدى البحرية الفرنسية قاعدة في أبو ظبي ولكن قد تكون مقيّدة بسبب عدم إقرار دولة الإمارات بوقوف طهران وراء الهجمات.
وربما الأهم من ذلك هو أن الولايات المتحدة بحاجة إلى استعادة السيطرة على الأحداث من خلال الإفصاح عن المزيد من المعلومات الاستخباراتية التي تسببت في التوتر الأخير في المقام الأول. فلا بد من تفصيل التقارير الغامضة حول الصواريخ الموضوعة على متن السفن المدنية الإيرانية في أيار/مايو. ويبدو أن التلميح الأولي جاء من إسرائيل. وتقول مصادر في لندن إن الصواريخ كانت موضوعة على حاويات شحن، وتم تكييفها للإطلاق السريع، في نسخة حديثة من سفن «Q» – التي استخدمتها القوات البحرية البريطانية والأميركية في الحرب العالمية الثانية.
يجب أن تتمثل النية التكتيكية في مفاجأة «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني بما لا يتوقعه. فعلى الصعيد الاستراتيجي، يجب أن تصيغ الولايات المتحدة الإجماع الدولي. وضمن هذا الجهد، تبرز اليابان كثمرة سهلة المنال في أعقاب الزيارة المحرجة التي قام بها رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى طهران، التي تزامنت مع الهجوم على ناقلة نفط يابانية. ومن المأمول ألا تكون الصين غير مبالية بالتوترات الخليجية لأنها تحصل على الكثير من وارداتها النفطية من المنطقة. أما أوروبا فقد كانت حتى الآن حذرة ولكن يمكن إقناعها بالأدلة القاطعة والمعروضة بشكل جيد. وروسيا؟ ربما يكون من الصعب إحراج فلاديمير بوتين، لكن يقال إن صاروخ «Q» يعتمد على نظام روسي.
وحتّى الآن كان الاستثناء الوحيد على إجماع عرب الخليج غير المشرّف على توخّي الحذر هو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. ففي مقابلة مع صحيفة «الشرق الأوسط» يوم الأحد المنصرم، وصف إيران بأنها مسؤولةً عن الهجمات وطلب من المجتمع الدولي «اتخاذ موقف حازم أمام نظام توسعي يدعم الإرهاب وينشر القتل والدمار على مر العقود الماضية، ليس في المنطقة فحسب بل في العالم أجمع».
ونظراً إلى سمعة التسرّع التي تلاحق الأمير محمد بن سلمان، ربما يجب الترحيب بحذر بتعليقه على التطورات. ولكن واقع اختياره وسيلة إعلامية عربية يشير إلى أنه بدأ يمهد الطريق لاتخاذ إجراءات حاسمة مع سكان بلاده ومع دول الخليج المجاورة على حد سواء.
وليس هناك بُعد نووي حتى الآن لهذه الأزمة. فيبدو أن تصريحات طهران الأخيرة حول برنامجها تشكّل استراتيجيّةً منفصلةً، رغم أنها قد تكون موازية. وعلى الصعيد النووي يتركز القلق على عدة أشهر قادمة – على الرغم من إعلان إيران في السابع عشر من حزيران/يونيو أنها قد تتجاوز الحدود المتفق عليها لمخزوناتها من اليورانيوم منخفض التخصيب في عضون عشرة أيام. وفي المقابل، يدور التوتر في الخليج حول ما يحصل اليوم -والاسبوع المقبل أو نحو ذلك.
سايمون هندرسون زميل «بيكر» ومدير «برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة» في معهد واشنطن