الجود عزٌ مُؤَبد

-1-
السخاء سجيةٌ عظيمة تكشف عن نبل وانسانيةٍ ومروءة وصفاءِ ذات ..،
ولا يستطيع الجواد أنْ ينفك عن أريحيتِه وبذلهِ حتى اذا عُوقب على ذلك ، وطلب منه الكفّ عن الإعطاء والاحسان ..!
-2-
وقد تعترض على جود الرجل زوجتُه وتنهاه عن المضي في هذا الطريق الذي تحسبه مُفنيا للمال ومفضيا الى الافلاس ..!!
وقد تشتط فتعتبره مُبذِراً فيشمله عندها قوله تعالى :
( انّ المبذرين كانوا اخوان الشياطين) الاسراء /27
انّ السخي حين يسمع هذه الكلمات فلن تزيده الاّ اصراراً على ما هو فيه ولن تثنيه عن نهجه العام القائم على الانفاق في مظانّ البر والخير والاحسان والمعروف ..
-3-
وهذه المقالة تصوّر ما جرى بين (عبد الله بن الحشرج) –وكان سيداً من سادات قيس وأميراً من أمرائها ، وكان جواد ممدّحا – وبين زوجته التي ضاقت ذرعا بجُودهِ وأعطياته،الامر الذي سبب في نهاية المطاف افتراقهما حيث طلّقها وانهى المسألة “
-4-
لقد لجأ (عبد الله بن الحشرج) الى الشعر ، فأوقفنا عَبْرَقوافيه بكلّ ما جرى بينه وبين زوجته فقال :
سأجعل مالي دون عِرْضي وقايةً
من الذّم إنّ المال يفني ويَنْفَدُ
ويُبقي لي الجودُ اصطناع عشيرتي
وغيرهم والجودُ عزٌّ مُؤبدُ
ومتخذ ذنبا عليَّ سماحتي
بمالي ونارُ البخل بالذم تُوقدُ
يبيد الفتى والحمـدُ لـيس بـبـائدٍ
ولكنّه للمرءِ فـضـلٌ مـؤكـدُ
ولا شيء يبقى للفتى غيرُ جـودِهِ
بما ملكتْ كفاه والقـوم شُـهّـدُ
ولائمةٍ في الجود نهنهت غَرْبَـهـا
وقلت لها بني المكـارم أحـمـد
فلما ألحّتْ في الملامة واعتـرتْ
بذلك غيظي واعتراها التـبـلـدُ
عرضت عليها خصلتين سماحتـي
وتطليقها والكف عـنـي أرشـدُ
فلجّت وقالت أنت غـاوٍ مـبـذر
قرينُك شيطانٌ مُـريدٌ مُـفـنَّـدُ
فقلت لها بِينِي فمـا فـيك رغـبةٌ
ولي عنكِ في النسوانِ ظلٌّ ومقعدُ
وعيشٌ أنيقٌ والنـسـاء مـعـادنٌ
فمنهن غُـلٌّ شـرُّهـا يتـمـردُ
لها كلَّ يومٍ فوق رأسي عـارض
من الشرّ براّقٌ يدَ الدهـر يُرْعِـدُ
وأخرى يلذ العيش منها، ضجيعُهـا
كريم يُغاديه من الطـير أَسْـعُـدُ
فيا رجلاً حراً خذ القصد واترك
البلايا فإنّ الموتَ للناس مَـوْعِـدُ
فعش ناعماً واترك مقـالة عـاذلٍ
يلومُكَ في بذلِ الـنـدى ويُفـنِّـدُ
وجد باللها إنّ السماحة والـنـدى
هي الغاية القصوى وفيها التمجّدُ
وحسبُ الفتى مجداً سماحة كـفِّـهِ
وذو المجد محمودٌ الفعال محسّـدُ
( نهنهت غربها : كفكفت حدّتها
امترت : لعلها اعترت : اي أثارت غيظي واستخْرَجَتْهُ
المَريد : الخبيث المتمرد الشرير
مفند : مضعف الراي
يتمرد : التمرد هنا بمعنى تجاوز الحدّ
الُلها : العطايا )
أقول :
والقصيدة ذات مضامين واشارات مهمة لابُدَّ لنا من الوقوف عندها قليلاً:
1 – بالسخاء وبذل المال يقي الانسان عِرْضَهُ من ألسن الاشرار
2 – الجود عزّ مؤبد
والجواد ممدوح محبوب في حياته وبعد موته
3- للزوجة أنْ تُبدي رأيها لزوجها ولكن دون ان تكون لجوجة متهمةً له بكونه من ضحايا الشيطان، فعاقبةُ اللجاجة وخيمةُ للغاية …
4 – يستطيع الرجل ان يختار لنفسه زوجة ثانية بدلا عن الزوجة اللجوجة ويعيش معها بسعادة ..
وحينذاك لن ينفع الندم
5 – لن ينال المجد الا ذوو الإفضال والندى، وهم محسودون من الناس لحسن صنيعهم ذِكْرُهم الحميد جارٍ على الألسنة،ويكفيهم ذلك مكانةً وعلوّ شان …!
-5-
لعل سرّ الاهتمام بهذه القصيدة كونها حافلة بنصائح ومضامين أخلاقية واجتماعيه وانسانية مهمة ، ناهيك عن أنها عصارة تجربة مهمة .
أقول :
شتان بين الزوجة التي تنسجم مع توجهات زوجها في ميادين البر الاجتماعي والانساني، وتكون مشجعة له على ان يكون له القدح المعلّى في باب الايثار والاحسان ، وبين الزوجة التي يغضبها ان ينال الناسُ من أموال زوجها شيئاً ..!!
وكأنها ترغب في ان يكون الانفاق سخيا عليها لا على غيرها ..!!

حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة