مايكل يونغ
خطة كوشنر لا تتمحور حول السلام، إنما تهدف إلى ترسيخ قبضة الاحتلال الإسرائيلي عبر افتراض هزيمة الفلسطينيين.
ما يزال العالم يترقّب خطة جارد كوشنر للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، غير مدرك أن الجزء الأكبر منها بات معروفاً أصلاً. فخلال حديثه أمام معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى الأسبوع الفائت، كشف كوشنر النقاب عن نقطة أخرى محبطة حين أشار إلى أن خطته لن تأتي على ذكر حل الدولتين.
توجّه كوشنر للحضور قائلاً: «إن قلتم «دولتين»، فهذا يعني شيئاً للإسرائيليين، وشيئاً آخر للفلسطينيين»، وتابع «قلنا: أتعلمون، دعونا لا نستعمل هذه العبارة بل نكتفي بالقول فلنعمل على تفاصيل ما قد يعنيه ذلك». لقد كان من المستغرب ألا يتطرّق صهر الرئيس الأميركي إلى معنى حل الدولتين بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وهي الدولة التي تعرض خطته للسلام في نهاية المطاف، والتي بدت أنها كانت قبل بضع سنوات تملك فكرة واضحة نسبياً حول معنى هذه الكلمة.
والحال أن إخفاء كوشنر لهذا الأمر يجب أن يذكّرنا مرة أخرى بأن «خطته للسلام» هذه لا تمّت للسلام بصلة، أو بالأحرى لم تُصمّم قط لإحلال السلام. وكما قال السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل دانيال كورتزر، في مقال صدر مؤخراً، إن الخطة هي خدعة وهمية. ففي حين يركّز العالم أنظاره على خطة كوشنر، بعيداً عن العمل بذاته، تتقدّم السياسة الأميركية بخطوات أحادية تصبّ في مصلحة إسرائيل وتقوّض موقف الفلسطينيين إلى حدّ كبير، ناسفةً في الوقت عينه احتمال حل الدولتين. وعندما سيعرض كوشنر في نهاية المطاف اقتراحه، سيتمثّل هدفه الأول ببساطة بترسيخ هذه المكاسب الإسرائيلية.
من الواضح أن الطبخة التي أعدّها كوشنر، بالاشتراك مع الممثل الخاص للرئيس دونالد ترامب في المفاوضات الدولية، جايسون غرينبلات والسفير الأميركي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، هي نسخة معدّلة لخطة الحكم الذاتي التي طرحها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق مناحيم بيغن في أيار/مايو من العام 1979. هذه الخطة، كما هو معروف، منحت الفلسطينيين حكماً ذاتياً محدوداً في الأراضي المحتلة، إنما رفضت منحهم دولة. كما سعى بيغن إلى فرض سيادة إسرائيل على الأراضي المحتلة وتخويلها مهمة مراقبة الأمن فيها. وبموجب الخطة، سيُطبّق القانون الإسرائيلي في مناطق المستوطنات اليهودية، ما ينشئ بفعالية نظامين قانونيين متوازيين منفصلين وحتماً غير متساويين، أحدهما للعرب والآخر لليهود.
يُظهر هذا اللجوء إلى مقاربة منسيّة منذ فترة طويلة عجز اليمين الإسرائيلي وداعميه الأميركيين عن الخروج من قالب يُحرم فيه الفلسطينيون من حقوقهم الوطنية كافة. وبالفعل، دأبت سياسة إدارة ترامب خلال السنتين الماضيتين على تقويض المكاسب السياسية التي كان حققها الفلسطينيون خلال العقدين الفائتين من الزمن.
فبالنسبة إلى واشنطن، لم يعد منح الفلسطينيين دولة أمراً مسلماً به. فالقدس تُعتبر عاصمة إسرائيل، على رغم الاحتمال الافتراضي بإمكانية أن يسمح الإسرائيليون بإقامة عاصمة فلسطينية في زاوية بعيدة من المدينة. وقد مارس المسؤولون في الإدارة الأميركية ضغوطاً لوقف منح صفة لاجئ لأحفاد اللاجئين الفلسطينيين الذين هاجروا في العام 1948. وهذا أحد العوامل التي دفعت بالولايات المتحدة إلى وقف تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين التي تُعنى باللاجئين. والآن، وفي خضم الحديث عن أن إدارة ترامب توشك على الاعتراف بسيادة إسرائيل على أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، قد يكون الخيار الأخير المتاح أمام الفلسطينيين – ألا وهو التوافق الدولي على أن الأرض محتلة من قبل إسرائيل – تبدّد.
يبدو أن كوشنر وغرينبلات وفريدمان وخلفهم ترامب، يؤيدون وجهة نظر تقول بأن الفلسطينيين هم الخاسرون في نزاعهم مع إسرائيل. ولذا، لا يحق لهم المطالبة بدولة، تماماً كما أن إسرائيل غير مُلزمة بالتخلي عن المزيد من الأراضي. فالتفاهة الفائقة القائمة على الافتراض بأنه يمكن مقارنة نزاع وطني عميق واستحواذي بين شعبين بمباراة كرة قدم، هو أحد المشكلات العديدة التي تشوب نظرة الولايات المتحدة إلى العلاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. لكن هذا الأمر لا ينفكّ يغذي اعتقاداً يسود في أوساط اليمين الإسرائيلي وداعميه الأميركيين مفاده أن السلام يمكن أن يقوم برمّته على حساب تنازل الفلسطينيين وخضوعهم.
أما اقتراح كوشنر، فسيرسّخ، فور الإعلان عنه، كل ما فعلته الإدارة حتى الآن لإضفاء طابع الشرعية على الاحتلال الإسرائيلي. وستُلقي إدارة ترامب اللوم على الفلسطينيين لرفضهم الفخ الذي ينصبه كوشنر، متذرّعةً بذلك لتؤكّد مجدداً أنهم لن يقبلوا بأي شيء على الإطلاق، لذا، من الأفضل للولايات المتحدة وإسرائيل متابعة تصفية القضية الفلسطينية.
غير أن هذه التمثيلية لن تنطلي على الكثيرين، إلا أنها ستبدّل حتماً أسس المقاربة الأميركية للقضية الفلسطينية-الإسرائيلية، ما سيرغم الرؤساء المستقبليين على مجاراة خطوات ترامب أو المخاطرة بردّ فعل ساخط من حلفاء إسرائيل. هذا ما جاء على لسان كوشنر في معهد واشنطن، حيث أشار إلى أنه في حين قد لا يجلب السلام إلى الشرق الأوسط،
إلا أنه أراد على الأقل «تغيير المناقشات» حوله.
لكن المشكلة تتمثّل في أن هذا الإطار المناسب بين الولايات المتحدة وإسرائيل، غير قادر على معالجة ما يحصل للفلسطينيين في الأراضي المحتلة. ففي حين قد يبقى شعب غزة حبيساً إلى ما لانهاية، ما مصير حوالى 3.7 ملايين فلسطيني في الضفة الغربية يعيشون على مقربة من المستوطنات اليهودية؟ من الناحية الديموغرافية، سيشكّل العرب – سواء من الفلسطينيين الخاضعين إلى سيطرة إسرائيل العسكرية أو من العرب-الإسرائيليين – أغلبية تمتدّ بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن خلال جيل واحد، ما يطرح تحدياً متزايداً لطبيعة إسرائيل اليهودية.
في ظل تنامي أعداد الفلسطينيين، ستتعارك إسرائيل مع مثل هذا الوجود. لكن كيفية قيامها بذلك ستكون موضوع نقاشات مثيرة للانقسامات – علماً بأن الجدال بدأ أساساً في أوساط الإسرائيليين، وكذلك في أوساط يهود أميركا. وتتمثّل النتيجة الأكثر إثارةً للقلق في إقدام إسرائيل على استغلال مواجهات عسكرية محتملة مع الفلسطينيين لفرض تغييرات ديموغرافية دائمة، تضمن أغلبية يهودية في إسرائيل والضفة الغربية على الأمد البعيد.
أحياناً، يحمل النصر معه عبئاً يتعذّر التخلّص منه. ففي العام 1948، حقّقت الحركة الصهيونية انتصاراً مذهلاً في حربها ضد العرب، وهو إنجاز صنعت حتى أضخم منه في العام 1967. لكن الفلسطينيين ما زالوا موجودين. وإسرائيل تقف عاجزة أمام هذا الواقع، كما أن ما يسمّى بخطة كوشنر ستجعل إيجاد حلّ لهذا الموضوع مستحيلاً. ربما حان الوقت بالنسبة إلى الإسرائيليين وأصدقائهم في أميركا كي يعيدوا النظر بما يرغبون به.
كارنيغي للشرق الاوسط