صناعة التدوير !

واحدة من المشكلات التي تعاني منها العاصمة بغداد ،وسائر مدن العراق تتمثل بانتشار النفايات بنحو يثير الانتباه ، ولا نريد هنا ان نلقي باللائمة على طرف دون آخر ، فالجميع مسؤولون ، وعندما أقول الجميع ، اعني الجهات الحكومية المعنية ، ممثلة بأمانة بغداد وبلدياتها المنتشرة في العاصمة ، والدوائر البلدية التابعة لوزارة الاعمار والاسكان والبلديات التي تمارس مهامها في عموم المحافظات ، كما ان المواطن هو ايضا يتحمل نسبة عالية من المسؤولية عندما لا يهتم بنظافة الشارع والمحلة ،فيرمي النفايات كيفما اتفق ، ثم يأتي ليشتم البلدية ،متهما إياها بالتقصير ، وهو لا يعلم ان السماء لا تمطر نفايات !!. إنما تراكمت هذه النفايات بفعل عدم وضعها في أماكنها المخصصة ، والشواهد على ذلك اكثر من ان يستطيع احد استعراضها في اسطر ، وقطعا ان لكل طرف من طرفي المعادلة (الحكومة والمواطن) أسبابه وتبريراته التي يبرر بها للواقع الذي نحن فيه ، المواطن يبرر ، بعدم وجود حاويات كافية لكي يضع فيها نفاياته ،ما يضطره الى رميها في أي زاوية أو مكان ، والبلدية تقول ، نحن نعمل بإمكاناتنا المتاحة ، ولسنا مقصرين في واجبنا ، فملاكاتنا تعمل على مدى ٢٤ ساعة ، باليات متهالكة وإمكانات لا تنسجم مع التوسع الكبير والزيادات السكانية التي يشهدها العراق بنحو عام ، وتخصيصاتنا السنوية ، لا تسد الا نسبة قليلة من الحاجة الحقيقية لتغطية نفقات التنظيف ، ومن الطبيعي وإزاء هكذا مبررات وأسباب ، ستكون النتيجة هي هذا المشهد الذي نراه ، لاسيما في المناطق الشعبية ، ولعل الخطوة الأخيرة المتمثلة بالتعاقد بين المواطنين وشركات من القطاع الخاص مقابل اجرة شهرية مقدارها عشرة آلاف دينار ،أسهمت في حل جانب من المشكلة ، ولكن في نهاية المطاف تبقى المشكلة قائمة ، بل وتتفاقم ، مع ازدياد كميات النفايات التي وصلت الى ٩ آلاف طن يوميا في بغداد وحدها ، مع قلة المكابس ويعد مركز الطمر الصحي الوحيد في منطقة النباعي بمسافة تزيد على٧٠ كم من العاصمة ..
إذن ، ما الحل ؟ هل نبقى نراقب المشكلة تتفاقم وبما تحمله من مخاطر صحية وبيئية ؟ أم نبحث عن حلول ناجعة ،تقينا خطر التلوث وسواه من التداعيات الخطيرة ؟ .. وهل ثمة حلول ممكنة ، ولم يتم اعتمادها من المعنيين ؟ .. هل هناك إمكانية لزيادة حجم التخصيصات المالية ، لشراء آليات جديدة وتشغيل أيد عاملة في مجال التنظيف ؟ ،قد يبدو هذا الأمر ليس سهلا ، في ظل محدودية الإيرادات ، وان كانت لدى البلديات مصادر تمويل جيدة لو احسنوا استثمارها ، ومن نافذة الاستثمار هذه ، على وجه التحديد ،ندخل الى فضاء الحل الأمثل لمشكلة النفايات ، كما هو عليه الحال في اغلب دول العالم ،واعني هنا ، الاستثمار في النفايات ، من خلال مايعرف بعملية التدوير ، وواضح جدا ، ان الكميات الهائلة من النفايات التي تخلفها المدن العراقية ، وفي مقدمتها العاصمة بغداد ،، تمثل عامل جذب وإغراء للكثير من المستثمرين في العالم ، ومن المؤكد ان مثل هؤلاء المستثمرين ، لديهم من الوسائل والأساليب التي يمكنهم من خلالها تشجيع المواطن على التفاعل الإيجابي مع المهمة ، ربما من بين تلك الأساليب ، شراء النفايات بحسب وزنها ونوعها ، وغير ذلك ، وهنا يمكن للمركز الوطني لإدارة النفايات الذي شُكل في مرحلة سابقة ،وبالتعاون مع امانة بغداد ووزارة البلديات ، الشروع بالإجراءات المتمثلة ، بإعداد دراسة الجدوى والإعلان والإحالة ، والتعاقد ، فلو ، مضينا في هذا الإجراء سنرى شوارع العاصمة تلمع ، ايما لمعان ، ولن يكون المواطن بعدها مضطرا لرمي نفاياته في الهواء الطلق،وفضلا عن هذا وذاك ، فان الاستثمار في النفايات سيوفر لنا ايرادات جيدة ، يمكن استثمارها في مفاصل اخرى .. أليس كذلك ؟

عبدالزهرة محمد الهنداوي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة