سايمون هندرسون
في 15 أيار/مايو، أي بعد عام واحد من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي المبرم عام 2015، ذكرت وكالات الأنباء الإيرانية أن طهران قد توقفت رسمياً عن الوفاء ببعض الالتزامات التي تعهدت بها بموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة». وتم إبلاغ الأطراف المتبقية في هذه «الخطة» – بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والاتحاد الأوروبي – بالقرار في الأسبوع الماضي.
ومثل هذه الإعلانات مثيرة للقلق بوجه خاص نظراً للمناطق الرمادية الكثيرة التي تكتنف نص «خطة العمل الشاملة المشتركة»، إذ أنّ الكثير منها يشكّل أرضاً خصبة صالحة للاستغلال إذا حاولت إيران المضي قدماً في برنامجها النووي، والضغط على دول أخرى من دون التسبب بأي إجراءات عقابية. ففي الثامن من أيار/مايو على سبيل المثال، صرّح الرئيس حسن روحاني بأن إيران تخطط للاحتفاظ بمخزوناتها من اليورانيوم الزائد والماء الثقيل، رداً على العقوبات الأميركية المفروضة على شحن هذه المواد – وهي خطوة لا تنتهك الصفقة مباشرةً، ولكنها لا تتماشى مع الالتزام العام للنظام بإرسال هذه العناصر إلى الخارج. وما يبعث بالمزيد من القلق، أنّ روحاني قد حذّر من أنه ما لم تقم الدول المتبقية في «خطة العمل الشاملة المشتركة» بحماية الاقتصاد الإيراني من العقوبات الأميركية في غضون ستين يوماً، فسيجرِ استئناف تخصيب اليورانيوم على مستوىً أعلى.
وتُعد «خطة العمل الشاملة المشتركة» وثيقةً تقنيةً للغاية، لذا فإن الاستمرار في مراقبة أهم الأنشطة المحددة التي تحظرها، أو تسمح بها قد يكون أمراً صعباً بالنسبة إلى غير الخبراء. لذلك، يهدف القسم التالي إلى أن يكون دليلاً للأشخاص العاديين بشأن المفردات والحجج التي من المحتمل أن تُستعمل لتبرير قرارات إيران النووية أو انتقادها في الأسابيع المقبلة، سيّما إذا استمرت التوترات الدبلوماسية في التصاعد.
ما هو مضمون «خطة العمل الشاملة المشتركة» بشأن الأسلحة النووية؟
وفقاً لمقدمة الاتفاقية، «تؤكد إيران من جديد أنها لن تسعى تحت أي ظرف من الظروف إلى الحصول على أي أسلحة نووية أو تطويرها أو شرائها». غير أنّ استمرارية هذا التعهد على الأمد الطويل لطالما كانت خيالاً دبلوماسياً، إذ اعتبرت طهران أن الأثر العام الذي تحمله الصفقة كان الحفاظ على مكانتها كقوة نووية ناشئة مع تخفيف العقوبات الاقتصادية.
وفي العام الماضي، أُعيد التأكيد على أن هذا البند عقيم بعد أن استولت إسرائيل على جزء من أرشيف إيران النووي، اذ كشفت تفاصيل هذا الجزء عن محاولات النظام الناجحة على ما يبدو بين عامي 1985 و 2003 لتطوير جزء كبير من الخبرة العلمية التقنية المطلوبة لإنتاج سلاح نووي.
وما يجعل من الصعب منع هذه الأنشطة، أن مجموعة المهارات المطلوبة لتطوير برنامج نووي سلمي، تتداخل إلى حد كبير مع ما هو مطلوب لتطوير برنامج عسكري ينتج الأسلحة النووية. فالقنبلة الذرية تتطلب إما 25 كيلوغراماً من اليورانيوم العالي التخصيب أو ثمانية كيلوغرامات من البلوتونيوم.
وعادة ما يتم تصنيع كل من اليورانيوم العالي التخصيب واليورانيوم المنخفض التخصيب باستعمال أجهزة الطرد المركزي، في حين أن البلوتونيوم هو نتاج ثانوي موجود في الوقود النووي المستهلك. (يشار إلى أنّ اليورانيوم العالي التخصيب يحتوي على نسبة لا تقل عن 20 بالمائة من نظير «اليورانيوم-235» الانشطاري، برغم أن القنبلة تحتاج بشكل مثالي إلى 90 بالمائة من هذا النظير، ويحتوي اليورانيوم المنخفض التخصيب على أقل من 20 بالمائة من «اليورانيوم-235»،
وغالباً ما يُستعمل حوالي 3.5 بالمائة منه كوقود للمفاعل). إنّ أفضل طريقة لإنتاج البلوتونيوم، وضع اليورانيوم غير المخصَّب في مفاعل يحتوي أيضاً على «الماء الثقيل» (ماء غني بأكسيد الديوتيريوم). غير أنه يبدو أن إيران تفضّل تخصيب اليورانيوم لأن إنتاج البلوتونيوم يطرح تحديات تكنولوجية أكبر.
وفي وقت إبرام الاتفاق، قدّر المحللون أن إيران كانت على وشك امتلاك القدرة على إنتاج كمية كافية من اليورانيوم العالي التخصيب لصنع قنبلة واحدة في غضون بضعة أسابيع، والمعروفة باسم «زمن الاختراق».
إلا أنّ الاتفاق غيّر هذه الحسابات من خلال الحدّ من كميات اليورانيوم التي يمكن تخصيبها ومستوى التخصيب ونوع أجهزة الطرد المركزي المستعملة.
وأي اجتياز إيراني لتلك الحدود، ولو كان خطابياً، ينبغي أن يشكّل مصدر قلق كبير. وتجدر الإشارة إلى أنّ إحدى القواعد العامة غير السرية تتمثل في أنّه بإمكان 5000 جهاز طرد مركزي من الجيل الأول إنتاج كمية كافية من اليورانيوم العالي التخصيب لصنع سلاح نووي واحد في غضون ستة أشهر تقريباً. وعلى الرغم من أنه ما يزال لدى إيران عدد كافٍ من أجهزة الطرد المركزي، إلّا أن هذه الأجهزة ليست مصمّمة حالياً في سلسلة تعاقبية لزيادة التخصيب.
وفي هذا السياق، نذكر أدناه أبرز أحكام «خطة العمل الشاملة المشتركة»:
يحظَّر على إيران تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز 3.67 في المائة، ويمكنها تخزين أو استعمال 300 كيلوغرام فقط من هذه المواد.
ويتضمن هذا الرقم أيضاً المواد المركّبة مثل سادس فلوريد اليورانيوم، المادةً الأولية لأجهزة الطرد المركزي عندما يكون في شكله الغازي.
إنّ العدد الأقصى من أجهزة الطرد المركزي التي يحق لإيران استعمالها لتخصيب اليورانيوم، 5,060جهاز.
إنّ جهاز الطرد المركزي الوحيد الذي يحق لإيران استعماله في تخصيب اليورانيوم، الجهاز من الجيل الأول «IR-1»، الذي هو نسخة عن تصميم «P-1» الذي حصل عليه علماء باكستانيون بطريقة غير قانونية من أوروبا.
يحق لإيران إجراء بعض أعمال البحث والتطوير على أجهزة الطرد المركزي الأكثر تقدماً،
ولكن بدرجة محدودة فقط.
تم تعديل مفاعل «أراك» الإيراني الخاص بالأبحاث النووية بهدف تقليل ما يصحبه من مخاطر متعلقة بالبلوتونيوم.
ستنتهي هذه القيود وغيرها من قيود «خطة العمل الشاملة المشتركة» في وقت ما بين عامي 2025 و2030، اذ أمل المفاوضون الغربيون أساساً أن تتلاشى رغبة إيران في تطوير القدرةٍ على إنتاج أسلحة نووية بحلول ذلك الوقت.
إستراتيجية
إيران الحالية
بالنظر إلى تصريحات روحاني في الثامن من أيار/مايو، فقد يعتزم النظام الإيراني إعادة بناء قدرته على صنع سلاح نووي. وفي هذا الإطار، عمل وزير الخارجية محمد جواد ظريف على إذكاء نيران هذه التكهنات يوم 28 نيسان/أبريل عندما قال: إنّ خيارات الجمهورية الإسلامية متعددة وسلطات البلاد تنظر فيها…
وإنّ الانسحاب من «معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية»، واحد منها». وكان يشير إلى «المعاهدة» التي بموجبها توافق الدول التي تملك الأسلحة النووية على تزويد الدول الأخرى بالتكنولوجيا النووية المدنية مقابل التزامها بعدم تطوير هذه الأسلحة. وقد وقّعت إيران على هذه «المعاهدة» قبل ثورة عام 1979.
وفي 14 أيار/مايو، ردد المرشد الأعلى علي خامنئي تصريح روحاني عندما قال: إنّ تحقيق التخصيب بنسبة 20 بالمائة، الجزء الأكثر صعوبةً، أما الخطوات التالية فهي أكثر سهولة»،
مشيراً إلى درايته المدهشة بالفيزياء النووية، وتذكيره الغرب بنحو أساس بالسرعة التي يمكن أن تنتج بها إيران المواد المستعملة لصنع الأسلحة النووية إذا استأنفت التخصيب على نطاق واسع. وفي الواقع، عند التخصيب بنسبة 20 في المائة، يتم فصل معظم ذرات نظير اليورانيوم الانشطاري «اليورانيوم 235» عن ذرات اليورانيوم الطبيعي «اليورانيوم 238».
المنشآت
الرئيسة
مفاعل آراك للأبحاث. كانت هذه المنشأة قادرة على إنتاج البلوتونيوم قبل إبرام «خطة العمل الشاملة المشتركة»، إلاّ أنها لم تكن ناشطة بعد. وفي الثامن من أيار/مايو، أعلن «المجلس الأعلى للأمن القومي» أن إيران «ستوقف تنفيذ التدابير المتعلقة بتحديث مفاعل آراك للمياه الثقيلة». ووفقاً لـ «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، وتمت إزالة الأوعية الداخلية للمفاعل (الـ «كلاندريا») وأصبح غير صالح للعمل.
بوشهر. منشأة لمفاعل الطاقة زودتها روسيا وتقع على ساحل الخليج العربي، غير أن المخاوف الغربية فيما يتعلق بالأنشطة النووية العسكرية لا تشملها، وما زالت تعمل حتى يومنا هذا. وتستمر أيضاً خطط موسكو لبناء المزيد من مفاعلات الطاقة في هذا الموقع.
فوردو. منشأة الطرد المركزي تم بناؤها بعمق تحت الأرض داخل منطقة جبلية وسط إيران، ما يجعلها محصّنةً ضد معظم الهجمات العسكرية. ومع ذلك، تمتلك الولايات المتحدة اليوم قنابل تقليدية قادرة على اختراق الموقع، وقد يكون عرضةً للهجمات السيبرانية (في الماضي، عطّل فيروس «ستكسنت» الأميركي -الإسرائيلي عمليات الطرد المركزي الإيراني لبعض الوقت). وعلى الرغم من أن أجهزة الطرد المركزي في فوردو تُستعمل حالياً لأغراض غير نووية، إلّا أن رئيس «منظمة الطاقة الذرية الإيرانية» علي أكبر صالحي حذّر في كانون الأول/ديسمبر الماضي من أن هذا الوضع قد يتغير: «لدينا حالياً 1044 جهاز طرد مركزي في منشأة فوردو، وإذا أرادت السلطات العليا استئناف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 بالمائة في فوردو، فسنقوم بذلك».
نطنز. موقع منشأة الطرد المركزي الرئيسة في إيران، على الرغم من أن ثلث أجهزة الطرد المركزي الأصلية البالغ عددها 19,000 جهاز تعمل هناك. لذلك،
إذا أرادت إيران استئناف عملية التخصيب على النطاق الصناعي، فهذا هو الموقع المناسب لذلك.
وفي 20 أيار/مايو، صرّح متحدث باسم «منظمة الطاقة الذرية الإيرانية» بأن كمية اليورانيوم التي تنتجها المنشأة بنسبة 3.67 بالمئة سوف ترتفع إلى نحو أربعة أضعاف، بما يتجاوز «حد الـ 300 كيلوغرام في المستقبل غير البعيد.»
بارشين. تشير الصور والمواد الأخرى التي استولت عليها إسرائيل من هذا الموقع العسكري الذي يقع خارج طهران إلى أن النظام أجرى تجارب هناك لتحديد ما إذا كان سينجح تصميم قنبلة نووية.
مفاعل طهران للأبحاث. تَستعمل هذه المنشأة وقود اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة، المستورد حالياً. وقد جادلت إيران في كثير من الأحيان بأنها يجب أن تكون قادرةً على إنتاج وقودها المخصب لهذه المنشأة، والذي تقول إنه مهم للبحوث المدنية وإنتاج النظائر الطبية.
بواعث قلق
رئيسة لواشنطن
على الرغم مما تتشدق به من تصريحات على العكس، فقد تحتاج إيران إلى شهور عديدة لإعادة بناء قدرتها السابقة على التخصيب. ومع ذلك، يشكّل التخصيب مصدر القلق الأكبر بالنسبة للولايات المتحدة نظراً إلى قدرته على إعادة النظام إلى المسار المؤدي إلى الاختراق السريع.
أمّا تعليقات طهران بشأن المياه الثقيلة فربما تكون أقل أهميةً. فإعادة معالجة الوقود المستهلك للحصول على البلوتونيوم يشكّل تحدٍ كبير، ولا تملك إيران المنشأة المناسبة لذلك.
إنّ التقدم الذي أحرزته إيران بتطوير أجهزة الطرد المركزي المتقدمة – التي يمكنها تخصيب اليورانيوم لمستويات أعلى بسرعة أكبر وبكميات أكبر – ما يزال منعدماً حتى الآن.
وتتمثل التحديات التقنية الرئيسة التي تواجه تصميم أجهزة الطرد المركزي في زيادة سرعتها وارتفاعها مع تحاشي وقوع الأعطال. فالتغلب على هذه العقبات يرتبط باستعمال مواد البناء المناسبة (الصلب الخاص أو ألياف الكربون، رهن بالجزء المعني من الماكينة) والقيام بتجارب وأخطاء هندسية هائلة (إلا إذا حصلت إيران على أسرار مسرّبة من شركات أجنبية متخصصة).
ولعلّ التحدي الرئيس بالنسبة لواشنطن، أن الرسائل النووية الإيرانية غالباً ما تبدو بريئةً بنحو معقول.
فالجمهور الأميركي وربما حتى عناصر دوائر صنع السياسات يتمتعون بفهم محدود للقضايا التقنية الكامنة وراء مثل هذه الرسائل. وحتى الآن،
يبدو أن طهران تحسب قدرتها على الفوز بالمعركة الكلامية، مما يسمح لها بالإفلات من الأعمال التقنية التي قد تضعها مرةً أخرى على عتبة الدول التي تملك أسلحة نووية.
سايمون هندرسون: زميل «بيكر» ومدير «برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة» في
معهد واشنطن