سيطرة الروبوتات ؟ليس في حياتك

ج برادفورد ديلونغ

بيركلي- هل سيهدد الصعود الوشيك للروبوتات جميع اشكال التوظيف البشري المستقبلي؟ ان أكثر النقاشات المتعلقة بذلك السؤال منطقية يمكن ان نجدها في الورقة البحثية للخبير الاقتصادي من معهد م اي تي ديفيد اتش اوتور لسنة 2015 بعنوان» لماذا ما يزال هناك الكثير من الوظائف؟» اذ ينظر للمشكلة في سياق مفارقة بولاني. لقد لاحظ فيلسوف القرن العشرين بولاني انه نظرا لإنه « يمكن ان نعرف أكثر مما نقوله «، فإنه يجب ان لا نفترض ان التقنية سوف تكرر وظيفة المعرفة البشرية نفسها. ان معرفة الكمبيوتر بكل شيء يمكن معرفته عن السيارات لا يعني بالضرورة انه سيكون قادرا على قيادتها.
إن الفرق بين المعرفة الضمنية والمعلومات يؤثر بنحو مباشر على مسألة ما الذي سيفعله البشر في المستقبل من اجل انتاج قيمة اقتصادية. تاريخيا، فإن المهام التي يقوم بها البشر جاءت ضمن عشر فئات عريضه. الفئة الاولى وهي اكثرها بساطة تتمثل باستخدام جسم الانسان في تحريك الاشياء وتأتي في الفئة الثانية استخدم الأعين والاصابع في عمل بضائع مادية متميزة.
أما الفئة الثالثة فتتضمن استعمال المواد في عمليات الانتاج التي تحركها الالات –أي العمل كروبوت بشري – ويتبع تلك الفئة الاشراف على عمليات الالة ( أي العمل كمعالج بشري للعمليات الدقيقة).
أما في الفئات الخامسة والسادسة فإن المرء يرتقي من كونه معالج للعمليات الدقيقة الى برامج الكمبيوتر مما يعني اداء المهام المحاسبية والتحكم أو تسهيل الاتصالات وتبادل المعلومات.
أما في الفئة السابعة فإنه يكتب برنامج الكمبيوتر والذي يترجم المهام الى رموز (وهذا يذكرنا بالنكتة القديمة والتي تقول بإن كل كمبيوتر يحتاج الى أمر اضافي «إفعل « أي إفعل ما اقصد). في الفئة الثامنة فإن هناك رابط بشري وفي الفئة التاسعة فإن المرء يتصرف كمشجع أو مدير أو محكم للبشر الاخرين واخيرا في الفئة العاشرة فإن المرء يفكر بشكل نقدي فيما يتعلق بمشكلات معقدة ومن ثم يصيغ ابتكارات أو حلول جديدة لها.
خلال الست الاف سنة الماضية فإن مهام الفئة الاولى قد تم التخلي عنها بشكل تدريجي أولا لمصلحة الحيوانات ولاحقا للآلات وخلال الثلاثمائة سنة الماضية فإن المهام في الفئة الثانية قد تم التخلي عنها كذلك لمصلحة الآلات. إن الوظائف في كلتا الحالتين وفي الفئات من ثلاثة الى ستة والتي تعززت بفضل الآلات اصبحت أكثر انتشارا وارتفعت الاجور بنحو كبير.
لكن منذ ذلك التاريخ قمنا بتطوير آلات تعد أفضل من البشر في تنفيذ المهام في الفئات ثلاثة واربعة –حيث نتصرف مثل الروبوتات والمعالجين للعمليات الدقيقة – ولهذا السبب فإن حصة التصنيع من اجمالي التوظيف في الاقتصادات المتقدمة انخفضت خلال فترة الجيلين السابقين وعلى الرغم من زيادة انتاجية التصنيع. إن هذا التوجه مع ما يرافقه من حماسة صناع السياسات النقدية الزائدة لمكافحة التضخم ساهم بنحو كبير في الصعود الاخير للفاشية الجديدة في الولايات المتحدة الاميركية وغيرها من البلدان الغربية.
الاسوأ من ذلك هو اننا وصلنا لمرحلة تكون فيها الروبوتات أفضل من البشر في اداء مهام «برامج الكمبيوتر» في الفئات خمسة وستة وخاصة عندما يتعلق الامر بإدارة تدفق المعلومات والتضليل ولكن مهما يكن من امر فإنه خلال فترة الاجيال القليلة القادمة فإن عملية التنمية التقنية ستحقق اغراضها من دون تدخل خارجي مما يعني ان البشر سيكون لديهم فرصة العمل على أربع فئات فقط وهي: التفكير النقدي والاشراف على البشر الاخرين وتوفير الرابط البشري وترجمة نزوات البشر الى لغة يمكن للآلات فهمها.
إن المشكلة هي ان قلة منا لديهم العبقرية لإنتاج قيمة اقتصادية حقيقية من خلال ابداعنا. ان بإمكان الاغنياء تعيين عدد محدود من المساعدين الشخصيين علما ان العديد من المشجعين والمديرين والمسؤولين عن تسوية النزاعات لم يعد لهم ضرورة وهكذا نصل الى الفئة الثامنة وهي انه طالما ان أسباب العيش مرتبطة بالتوظيف باجر فإن احتمالية المحافظة على مجتمع الطبقة المتوسطة سيعتمد على الطلب الضخم على الرابط البشري.
ان مفارقة بالوني تعطينا سببا للأمل حيث أن مهمة توفير «الرابط البشري « لا تعتبر مهمة عاطفية ونفسية كامنة فحسب بل انها تتطلب كذلك معرفة ضمنية بالظروف الاجتماعية والثقافية والتي لا يمكن ترميزها على شكل اوامر ملموسة وروتينية لأجهزة الكمبيوتر وبالإضافة الى ذلك فإن كل تقدم تقني يخلق مجالات جديدة تزداد فيها اهمية المعرفة الضمنية وحتى فيما يتعلق بالتفاعل مع التقنيات الجديدة نفسها.
لقد لاحظ اوتور انه على الرغم من ان مصنعي السيارات «يوظفون الروبوتات الصناعية لتركيب الزجاج الامامي فإن شركات تبديل الزجاج الامامي لمرحلة ما بعد البيع توظف التقنيين وليس الروبوتات».
لقد اتضح ان « ازالة الزجاج الامامي المكسور واعداد إطار الزجاج الامامي ليصبح جاهزا من اجل تركيب ذلك الزجاج الامامي ضمن ذلك الإطار يتطلب القدرة على التكيف ضمن الوقت الحقيقي وبتكلفة اقل مما قد يمكن ان يعمله الروبوت العصري « أي بعبارة اخرى فإن الاتمتة تعتمد على ظروف يجري التحكم بها بنحو كامل والبشر لن يستطيعوا على الاطلاق التحكم بنحو كامل بالبيئة برمتها.
قد يجادل البعض بإن تطبيقات الذكاء الصناعي قد تطور القدرة على استيعاب «المعرفة الضمنية» ولكن حتى لو تمكنت خوارزميات التعلم الالي من التواصل معنا وافادتنا بأسباب قيامها باتخاذ قرارات معينة فإنها يمكن ان تنجح فقط ضمن مجالات بيئية محددة. ان النطاق الواسع من الظروف المحددة التي تحتاجها من اجل العمل بشكل ناجح سيجعلها ضعيفة وهشة وخاصة عند مقارنتها بقدرة البشر القوية على التأقلم.
على اي معدل فلو كان «صعود الروبوتات « يمثل تهديدا فإنه لن يكون بارزا خلال الجيلين القادمين والى الان يجب ان نقلق بسبب دور التقنية في نشر التضليل أكثر من مسألة البطالة التقنية علما أنه بدون وجود مجال عام يعمل بشكل جيد ويسمح بالجدل، فلماذا نناقش المسائل الاقتصادية في المقام الاول؟

ج برادفورد ديلونغ: نائب مساعد وزير الخزانة الاميركي سابقا ويعمل حاليا كأستاذ للاقتصاد في جامعة كاليفورنيا في بيركلي وباحث مشارك في المكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية.
بروجيكت سنديكت
www.project-syndicate.org

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة