تيريزا إش – هنريك أوستربوم
ستوكهولم
ماكدونالدز، وكوستكو، وإيكيا. كلها شركات عملاقة تتمتع بقاعدة عملاء بالغة الضخامة. لكن ما قد لا يدركه أغلب عملاء هذه الشركات هو أنها رائدة في مجال «خدمة المحيطات»: فجميعها تبيع المأكولات البحرية المستدامة. وهي سابقة مهمة لكنها ليست كافية.
عندما يتعلق الأمر بجني وبيع المأكولات البحرية فإن مصطلح «مستدامة» ليس مجرد عنوان فارغ. فهو يمثل المساءلة على طول سلسلة القيمة، بدءا من اللحظة التي تخرج فيها الأسماك من الماء، لضمان إجراء العملية برمتها على النحو الذي يمكن مصائد لأسماك ــ والنظام البيئي للمحيطات ــ من الاستمرار في الازدهار.
كان نمو حركة المأكولات البحرية المستدامة سريعا. فقبل عشرين عاما فقط، كانت الاستدامة مفهوما باطنيا في صناعة المأكولات البحرية. ولم يكن أحد في الصناعة يتحدث عنها إلا بالكاد. وفشلت أغلب الشركات في إدراك العواقب التجارية الطويلة الأجل المترتبة على الصيد الجائر، ناهيك عن إعطاء أولوية عالية لتدابير الحفاظ على البيئة. في ذلك الوقت، قوبلت المجموعات البيئية التي دعت إلى فكرة المأكولات البحرية المستدامة بالشك والارتياب، إن لم يكن الرفض الصريح. فقد أكد غلاف لمجلة صناعة المأكولات البحرية في عام 1997 أن شركات المأكولات البحرية لا ينبغي لها أن «تزحف تحت الأغطية مع الـخُضر».
لكن الكثير تغير في السنوات العشرين الأخيرة. يتوقع المستهلكون في مختلف أنحاء العالم على نحو متزايد أن تكون المأكولات البحرية التي يشترونها ــ سواء من متاجر البقالة أو في المطاعم الراقية ــ مؤهلة بوصفها مستدامة. والآن يمكننا أن نجد علامة المنتج الزرقاء التي يصدرها مجلس الإشراف البحري فيما يقرب من 100 دولة، مما يوضح الطلب المتزايد على المنتجات ذات المصادر المستدامة.
أصبح الناس أكثر انخراطا في انتقاء اختياراتهم الغذائية، كما تشهد عاداتهم تطورا ملموسا. ونحن نتوقع أن يكون طعامنا، الذي نتقاسمه مع أبنائنا، آمنا ومغذيا. كما نتوقع على نحو متزايد من الشركات التي نستهلك منتجاتها أن تمتنع عن المساهمة في الصيد الجائر، وارتفاع حرارة المسطحات المائية، والتلوث الذي يضغط على المحيطات. ونحن نعبر عن هذه التوقعات بالكيفية التي ننفق بها أموالنا.
ولكن على نفس القدر من الأهمية، تشهد المواقف بين قادة الصناعة أيضا تحولا ملموسا. فالآن يشترك كثيرون منهم مع مجموعات الحفاظ على البيئة البحرية في المداولة بشأن كيفية مساعدة مصائد الأسماك المنهكة على التعافي والحفاظ على صحة المصائد المزدهرة. ويعكس هذا جزئيا رغبتهم في إرضاء عملائهم. ولكن بقدر ما يُعَد الطلب المتغير وضعف الولاء للعلامات التجارية ضارا بالأعمال، فلا شيء أسوأ من نضوب العرض. والآن تدرك الشركات أنه من المستحيل بيع الأسماك إذا لم يتبق منها شيء.
لا يتطلب الأمر سوى قِلة من الشركات القادرة على إحداث الفارق. فربما يستهلك الملايين حول العالم الأطعمة البحرية، لكن قِلة من الشركات تتداولها. وعلى هذا فإن تغيرات صغيرة نسبيا من جانب عدد قليل من الكيانات من الممكن أن تقطع شوطا طويلا نحو حماية مستقبل الصناعة بأكملها.
يتضاعف هذا التأثير عندما تعمل القوى الرئيسة معا في التصدي للمشكلات التي تعيب سلسلة عرض المأكولات البحرية. وبالفعل، لعبت الجهود التعاونية بين قادة الصناعة، مثل مبادرة صناعة المأكولات البحرية لإدارة المحيطات، دورا رئيسيا في دفع التقدم نحو الاستدامة.
حتى وقت قريب، ربما كانت شركات المأكولات البحرية الدولية تقيم شراكات مباشرة منفردة مع المنظمات غير الحكومية المعنية بالحفاظ على البيئة؛ لكنها لم تكن تتعاون مع بعضها بعضا. لكن مبادرة صناعة المأكولات البحرية لإدارة المحيطات غيرت هذا الواقع. فقد قامت المبادرة، بوصفها جهد قائم على العِلم، بإشراك الرؤساء التنفيذيين لعشرة من أكبر شركات المأكولات البحرية، بهدف تحفيز التغير التحويلي نحو الإنتاج المستدام للمأكولات البحرية والذي يدعم صحة المحيطات.
لكن عمل حركة المأكولات البحرية المستدامة لم ينته بعد. وإذا كنا راغبين حقا في حماية مستقبل الأسماك، فيتعين على المزيد من شركات المأكولات البحرية أن تلتزم بالاستدامة. من منظور الشركات الملتزمة بالفعل، تتلخص الضرورة الأساسية في تجنيد النظراء في مختلف أنحاء العالم ــ من اليابان إلى الصين إلى شيلي ــ للانضمام إلى هذا الجهد.
علاوة على ذلك، في وقت حيث تتعاظم الضغوط على المحيطات بسرعة، يتعين على مجموعات المناصرة والعلماء أن تعمل بنحو متساو مع مصائد الأسماك الصغيرة والمجتمعات التي تعتمد عليها لضمان قدرتها على التعامل مع التحدي المتمثل في تنفيذ الممارسات المستدامة. كما يتعين على حصة أكبر من المستهلكين أن يتحلوا بقدر أعظم من الحزم والعزيمة في المطالبة بسلسلة إمداد شفافة للمأكولات البحرية ودعم الاستدامة مع كل عملية شراء. فمن خلال اختيار سمك قَد المحيط الهادئ الذي نثق في مصدره أخلاقيا بدلا من الأسماك المخفضة السعر التي نجهل مصدرها، نساعد كمستهلكين في دفع التغيير الحقيقي.
من الممكن أن تدعم التكنولوجيا هذا الالتزام الدولي الناشئ بالاستدامة، بما في ذلك من خلال تسهيل عمليات جمع البيانات وإدارة المحيطات. وقبل أن تمر فترة طويلة، ربما تتمكن تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي من إخبار الصيادين بالأماكن التي يمكنهم فيها جمع أكبر كم من الأسماك بالجحم المطلوب، في حين تعمل على تقليل التأثيرات الضارة على النظم الإيكولوجية للبيئة. وربما يصبح المستهلكون، حتى قبل هذا، قادرين على متابعة رحلة الأسماك كاملة من البحر إلى متجر البقالة المحلي، وذلك ببساطة من خلال مسح رمز الاستجابة السريعة (QR code) باستعمال هواتفهم المحمولة.
لكن منتهى الأمل هو أن تصبح العلامة «المستدامة» شائعة ومشروعة إلى الحد الذي يجعل المستهلكين ذات يوم يندهشون لغيابها وليس لوجودها. سوف يكون التوقع الافتراضي ــ بين شركات المأكولات البحرية، ومديري المصائد، ومجموعات الحفاظ على البيئة، والمستهلكين ــ أن كل المأكولات البحرية مجلوبة بطرق مستدامة. ولا نملك إلا الأمل في أن تصبح الاستدامة هي القاعدة المعيارية قريبا ــ في غضون سنوات وليس عقودا من الزمن.
تيريزا إش مسؤولة برنامج مؤسسة والتون فاميلي للبيئة.
هنريك أوستربوم أستاذ ومدير العلوم في مركز صمود ستوكهولم في جامعة ستوكهولم.
بروجيكت سنديكيت
www.project-syndicate.org