يواجه النظام السياسي الجديد في العراق تحديات كبيرة ويصارع اشكالا مختلفة من قوى أخرى تمتلك من وسائل التأثير بما يفوق قدرة الدولة التي يريد هذا النظام تعميق اسس وجودها ولا يبدو ان تجارب الاداء خلال الخمس عشرة سنة الماضية في العمل التشريعي والتنفيذي كانت كافية لتحقيق النضوج لدى الطبقة السياسية التي تناوبت على ادارة مؤسسات الدولة.
ويمكن القول ان الوصول الى مكامن الضعف والتعرف على الثغرات الحقيقية في منظومة الحكم مايزال بعيدا مادام هناك من يصر على الاستمرار بالنهج نفسه و مادام هناك من يتغاضى ويصم اذنيه ولايسمع ولايرى سلسلة الانتهاكات للمعايير القانونية والاخلاقية التي جاء بها الدستور او نادت بها اصوات التغيير والاصلاح لمواجهة مايحدث في العراق وما ينتجه الاخفاق والفشل والفساد من معاناة لشعبه ..
وماتزال دوامة الجدل قائمة تجاه الحلول التي يمكن فيها ان تنتهي هذه المعاناة واخطر مافي هذه الدوامة هو امتلاك جهات دينية وسياسية واقتصادية واجتماعية اوراق الضغط على الدولة وتحكمها بوسائل تأثير اقوى من وسائل الدولة واستغلالها لتراخي وتقاعس واهمال الجهاز التنفيذي والقضائي والتشريعي في احداث وملفات كثيرة تم فيها نهب المال العام حيث باتت هذه القوى والجهات تطرح نفسها كبديل للدولة للنيل والانتقام من السراق والمجرمين او تقرير اشكال معاقبتهم وتستهدف ترسيخ قناعات في عقول الجمهور بانها يمكن ان تكون مؤتمنة اكثر من اجهزة الدولة وانها الاقدر على تنفيذ مايريده هذه الجمهور وماشهدته بعض المحافظات العراقية خلال الايام القليلة الماضية من احداث تم تحريكها بواسطة او بتأثير جهات سياسية وحزبية ممثلة في البرلمان والحكومة يمكن ان يكون مثالا حيا على ما نقوله حيث استجاب تيار جماهيري مرتبط بالولاء لقيادة دينية وسياسية لخطاب يفضح الفاسدين واجتهد في تقرير اشكال وآليات الاستجابة من دون اي حساب لمكامن الخطورة في الزمان والمكان ومن دون الاحاطة بالمخاطر التي يمكن ان تنتهي اليها هذه الفعالية والاخطر منه هو تراخي وتفرج عناصر الدولة الممثلة بالأجهزة الامنية وموظفي الادارات المحلية بشتى عناوينهم على ماجرى من احداث وعدم يقظتهم في سد الثغرات امام المتربصين الذين وجدوا في هذا الحدث فرصة لاشعال الحرائق والتفريط بهيبة الدولة ومن المؤسف ايضا ان يغيب صوت اعلى سلطة تشريعية وتنفيذية في التعليق على هذه الاحداث والاكتفاء بالحلول التقليدية السمجة المتمثلة بتشكيل لجان تحقيقية ينتهي عملها مثلما انتهت لجان من سبقتها حيث المجهول وبرأينا فان ردة الفعل الحكومية لاتوازي خطورة ماجرى وانعكاساته على مستقبل العراقيين الذين لم يعد يشعرون بالأمن في بلادهم وفقدوا الثقة بأدواتها في فرض القانون وملاحقة المفسدين .ولابد من رسم خط احمر امام من يريد السماح لقدراته المادية والمعنوية بالمرور كي يمارس دور البديل للدولة.
د. علي شمخي