من دون أدنى اهتمام لما يفترض انها مرحلة للعدالة الانتقالية يمر بها العراق بشكل عام، وتجربة فتية في الديمقراطية يمر بها اقليم كوردستان، حيث يفترض استنادهما الى ما وهبته لنا الأقدار العابرة للمحيطات؛ أي دستور جديد يفصل بين السلطات ويصون حقوق وحريات العراقيين، ويضمن حقهم في عدم التعرض الى استهتار وقمع الاجهزة الامنية؛ يعرض جهاز أمن السليمانية (الآسايش) يوم الجمعة 10/5/2019 اعترافات للسكرتير الخاص لزعيم حراك الجيل الجديد شاسوار عبد الواحد، ومعه أربعة آخرون في قضية تهديد عضو برلمان اقليم كوردستان عن الحراك نفسه شادي نوروز بنشر فيديو فاضح لها. هذه الممارسات المتنافرة وأبسط بديهيات الانظمة الديمقراطية، تؤكد ما اشرنا اليه مراراً وتكراراً حول استحالة ترقب تحولات لصالح الديمقراطية والتنمية والحريات برفقة طبقة سياسية واجهزة أمنية لا علاقة لها بهذه المنظومة الحضارية. ان عرض المتهم على الملأ وعبر شاشات التلفزيون ومن منطقة عانت ما عانت من مثل هذه الاساليب القمعية واللا اخلاقية، يشير الى خطر انحدار كبير يهدد هذه التجربة التي تطوبت باسم عوائل محددة ومصالح فئوية ضيقة الحق أبلغ الضرر بها وبتطلعاتها المشروعة.
بالنسبة لي شخصياً لا أستغرب مثل هذه الممارسات والاساليب في التعاطي مع من يتجرأ على الاختلاف مع هذه القبائل السياسية، فقد تعرفت على ذلك جيداً قبل اربعين عاماً في الجبال الخارجة عن سيطرة قوات النظام المباد، ولا احتاج الى المزيد من مثل هذه الفضائح كي ارسخ ما اختبرته آنذاك، لا سيما وان المغانم والمكاسب التي شفطتها حيتان هذه الطبقة السياسية بعد الفتح الديمقراطي المبين، قد دفعتها الى اطوار لا مثيل لها من الهيمنة والتغول وعلى حساب التحولات الديمقراطية التي انتظرتها الشعوب العراقية بعد استئصال المشرط الخارجي للنظام الذي صنعه جهاز حنين سيء الصيت وشيخ قوارضه التي انتشل مذعوراً من جحره الاخير.
جهاز حنين كما يعرف غير القليل من العراقيين، هو نتاج لاتعس وارذل ما عرفته تقاليد الشقاوات العراقية والاحزاب التي تعتمد اساليب التصفية الدموية والوحشية لمخالفيهم، وقد خلف هذا الجهاز الذي وصل بالجريمة المنظمة الى اعلى مستوياتها على تضاريس هذا الوطن المنكوب، اضرارا فادحة ما زلنا حتى يومنا هذا ندفع فواتيرها الباهضة، وكل من يتابع المشهد الراهن لن يجد صعوبة في اكتشاف آثار ذلك على ما تبقى من حطام الدولة والمجتمع. ان حادثة الاعتقال الاخيرة لمقربين من شاهسوار وعرضهم بهذا الشكل الذي يذكر بممارسات النظام المباد واجهزته القمعية يشكل ردة وصفعة شديدة لسمعة التجربة في اقليم كوردستان، وهي واقعة تؤكد مخاوفنا مما يحصل في الاقليم من استئثار بالسلطة والمؤسسات والاجهزة العسكرية والامنية لصالح الحزبين المهيمنين في السليمانية وأربيل، وهي سطوة تلحق أبلغ الضرر بما يفترض انها تحولات صوب الديمقراطية والحريات وسيادة القانون. ان تفعيل مثل هذه الممارسات من قبل اجهزة امن متهمة اساساً بتبعيتها لجهة حزبية معروفة، لا يسيء وينتهك حقوق من عرضت اعترافاتهم المزعومة وحسب بل يطيح باهم اسس النظام الديمقراطي؛ أي وجود القضاء العادل والمستقل، والذي يفترض به عدم السكوت أمام مثل هذه الانتهاكات التي تنتزع منه اهم وظائفه وواجباته في تحقيق العدالة للجميع وعدم الاساءة لكرامة الانسان حتى وهو خلف القضبان…
جمال جصاني